لا يختلف اثنان في العصر الراهن على الأثر الفاعل الذي تحدثه وسائل الإعلام على التلقين، إذ يعتمد الكثير من جمهور المتابعين قراءة واستماعاً ومشاهدة على وسائل الإعلام في التزود بالمعلومات والثقافة العامة (بل والمتخصصة أحياناً في المجال التي لا تحتمل اختلاف وجهات النظر كالحقائق الفيزيائية والكيميائية والبايولوجية والمعادلات الرياضية وغيرها من المسلمات العلمية التجريبية). ومرد هذا الاعتماد على وسائل الإعلام كمصادر للمعلومات هو: موثوقيتها التي يشير إليها خبراء الإعلام ب (AUTHENTICITY) لجدارتها بالتصديق بسبب التقنية العالية التي تتمتع بها في طبع ونشر وبث مضامينها ورسائلها، ولسرعة نقلها للأحداث من أطراف الدنيا إلى أصقاعها، ولاعتمادها على مصادر رسمية أو شبه رسمية في توثيق ما تنقله من وقائع. ومن هذه الرؤية، فإن الظاهرة التي استحدثتها القنوات الفضائية في وقتنا الراهن لطرح آراء فقهية تمس الممارسات والسلوكيات وأحياناً العبادات، وفتح الباب واسعاً أمام الفتاوى في مسائل قد تتباين حولها الآراء؛ ظاهرة لا تسم تلك الآراء الفقهية بالمعايير السليمة من حيث الإجماع عليها بين أئمة المذاهب الأربعة المعروفة، مما يجعلها قضايا ذات تباين واختلاف وسجال يصل أحياناً إلى درجة التعصب من طرف، والتعنيف للطرف الآخر، الأمر الذي يؤدي إلى البلبلة والتشويش في أذهان العامة في ما يتعلق بالأحكام السليمة في المسائل التي يوجد خلاف بشأنها من ناحية ويعطي انطباعاً بتشتت المسائل والقضايا الإسلامية في خضم معارك «إعلامية» جانبية بين القائمين بالفتوى من ناحية أخرى. إن من أكثر سلبيات التعدد في وجهات النظر الفقهية من خلال منابر إعلامية نافذة كالقنوات الفضائية ذات التأثير القوى على المجتمعات العربية والإسلامية هو صرف المسلمين عن قضايا أكثر أهمية، مثل مواجهة الانحلال الأخلاقي الذي تبثه بعض القنوات الفضائية من خلال برامج عدة تتزيّا بأزياء الموضة وآخر صيحات قصات الشعر وتلوين الأظافر والملابس العارية والغراميات الفاضحة والأغنيات الماجنة ب (الفيديو كليب)، وما يُسمى ب «البرامج الرياضية للتخسيس والريجيم» التي في حقيقتها مجرد استعراضات عارية للإثارة الجنسية!! كما تصرف برامج تلك الفضائيات المسلمين عن مواجهة المخططات التي تستهدف طمس الهوية العربية والإسلامية باسم العولمة والانفتاح وتذويب الحواجز الثقافية بين الشعوب وتوحيد الأديان وحقوق المرأة وحرية الرأي والديمقراطية وحقوق الإنسان، وغيرها من مسميات تستبطن في غاياتها التدخل في خصوصيات الشعوب العربية والإسلامية لإزالتها نهائياً باعتبار هذه الخصوصيات المستمدة من عقيدتها الإسلامية وعاداتها وتقاليدها هي السياج العائق لتنفيذ تلك المخططات.