هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    "من الجنسيتين البنجلاديشية والسودانية" .. القبض على (5) مقيمين في خميس مشيط لارتكابهم عمليات نصب واحتيال – صورة    دبابيس ودالشريف    "نسبة التدمير والخراب 80%".. لجنة معاينة مباني وزارة الخارجية تكمل أعمالها وترفع تقريرها    التراخي والتماهي مع الخونة والعملاء شجّع عدداً منهم للعبور الآمن حتي عمق غرب ولاية كردفان وشاركوا في استباحة مدينة النهود    وزير التربية ب(النيل الأبيض) يقدم التهنئة لأسرة مدرسة الجديدة بنات وإحراز الطالبة فاطمة نور الدائم 96% ضمن أوائل الشهادة السودانية    النهود…شنب نمر    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    ندوة الشيوعي    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انشغلنا بلعبة التفاخر فتفرغ الآخر للإنجاز..!ا
نشر في الراكوبة يوم 16 - 05 - 2011


الراي1
انشغلنا بلعبة التفاخر فتفرغ الآخر للإنجاز..!!
سليم عثمان
سمعت فى إحدى الفضائيات شيخا جليلا يوجه حديثه للمشاهدين قائلا: إن الإنترنت والفضائيات تجلب الى بيوتكم الزناة والعاهرات، وذلك فى معرض حديث له عن أثر الفضائيات فى تربية النشء، قلت: الله أكبر! كيف لهذه الأجهزة أن تجلب عاهرات وزناة الى بيوتنا وقد أغلقنا أبوابها؟ وخطر ببالي أن أحطم أجهزة التلفزيون الموجودة بالبيت، كل بيت فى زماننا هذا فيه عدد من أجهزة التلفاز، ربما يجد المرء فى كل غرفة فى بعض البيوت تلفازا، وقلت فى نفسي لا بد أن أقوم بإيقاف اشتراكي فى تلك الشبكة العنكبوتية الرهيبة «الإنترنت» التى تدخل فساقا كثر من كل أرجاء الدنيا الى بيتي، وبعد برهة تمعنت فى حديث الشيخ، فقلت:ربما كان الرجل يقصد أولئك النساء الكاسيات، العاريات المايلات المميلات، المغيرات لخلق الله، بعشرات العمليات الجراحية للتجمل، كأنهن ما رضين بخلق الله، الذى خلق الإنسان فى أحسن تقويم، قلت ربما كان يقصد أولئك المذيعات والممثلات والنساء اللاتي يُظهرن على الشاشة البلورية فتحات صدورهن «منطقة الترائب» وربما يقصد الرجل أولئك الشباب العرب وأولئك الصبايا العربيات، فى تلك البرامج التى يقولون: أنها تحاكي الواقع «إستار أكاديمي» وما يفعلونه خلال مدة اقامتهم فى نزل مهيأة لممارسة الرذيلة، وتعلم فنونها، كأن ما يقومون به نوع من المدنية والتحضر، والغريب والعجيب أن الملايين من العرب كبارا وصغارا، يشاهدون تلك البرامج، وتلك الخلوات غير البريئة، قلت إن الرجل لم يكن يقصد بحديثه هذا تلك الأجهزة الصماء، التى صنعها لنا الغربيون فى مصانعهم ومعاملهم، لنستفيد منها ونمحو شيئا من أميتنا «يقولون: ليس الأمي اليوم الشخص الذى لا يعرف الكتابة والقراءة «فك الخط» بل الذى لا يعرف ولا يجيد التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة»، بل ربما كان الشيخ يقصد والله أعلم كيفية استخدامنا لها.
ومن طريف ما يذكر في مجال التطور العلمي، على صعيد الاتصالات، أن الهاتف حينما دخل دولة عربية للتو حضر أحد كبار رجال الدين الى مجلس الحاكم، فوجد إلى جانبه جهاز الهاتف، وعندما حاول الحاكم استخدامه زجره العالم ناعتا الهاتف بالشيطان، فاحتال الحاكم على رجل الدين بأن أوعز لأحد موظفي القصر، بأن يتلو عبر الهاتف آيات من الذكر الحكيم، ولما استمع العالم إلى القرآن يصدر من الهاتف، عاجله الحاكم بالسؤال: وهل يمكن للشيطان أن يتلو القرآن يا مولانا؟ فأُسقط في يدي العالم، وتقبل الأمر على مضض، كون الهاتف ليس شيطانا رجيما، إذن يمكن أن تجلب لنا وسائل الاتصال الحديثة، خاصة الانترنت والفضائيات،إن أحسنا استخدامها علوما دينية ودنيوية نافعة، وملائكة يظللون مساحات أرواحنا فيحيونها بعد موات، ويمكنها أيضا أن تجلب شياطين الانس والجن، وكل عاهر وفاجر وزنديق وفاسق، فليس من عاقل بالطبع يتحدث عن أن هذا الجهاز أو ذاك حرام أو حلال، إنما الحرام والحلال يكمن فى استخدامنا لها، وكان بامكاننا أن ننتهز فرصة توفر هذه التقنيات بين أيدينا ونطور بلداننا وننور عقولنا التى ران عليها الجهل، ونسج العنكبوت التحجر عليها، فصرنا نفاخر الأمم بما صنعه سلفنا من حضارة وإعجاز، في وقت تفرغ فيه الآخر، حتى كاد يرتاد الثريا، ونحن فى الثرى نتمرغ.
وبوسائل الاتصال الحديثة هذه تمكنا من إسقاط انظمة ديكتاتورية، جثمت على صدورنا سنين عددا، ويمكننا أن نستغلها كأفتك سلاح ضد عدونا، لكن يبدو أن عدونا نجح فى أن يجعلنا نلهو مع هذه الآلات الصماء، فالذين يتصفحون المواقع الاباحية والجنسية فى الانترنت من الجنسين، خاصة فئة الشباب بالملايين، والذين يتابعون الفضائيات الهابطة التى تعرض اللحوم «لحوم البشر» أيضا كثر، أما أولئك الذين يرتادون المواقع الجادة فى كافة مجالات الحياة والمعرفة، فأعدادهم فى تناقص مستمر، تماما كحال مساجد المسلمين فى البلاد العربية، حيث لا يرتادها الا كبار السن والشيوخ، إذن هل العيب فينا أم فى تلك الأجهزة والوسائل التقنية الحديثة للتواصل؟
فقد نسب البعض منا كل جديد إلى الشيطان، في محاولة للحجر على عقل الإنسان، وإن كان يخبر هذا التصرف غير العقلائي عن كينونة هؤلاء البعض، القائمين أصلا على التحجّر، فهم يضللون الناس عن مستنقع جمودهم، بوصم الجديد بالشيطنة، فمثل هؤلاء كما يؤكد الفقيه الشيخ الدكتور محمد صادق الكرباسي، عند تناوله لوسائل الاتصال الحديثة في كتاب «شريعة الاتصالات» الصادر عن بيت العلم للنابهين في بيروت في «48» صفحة من القطع الصغير، مع تقديم وتعليق الفقيه الشيخ حسن رضا الغديري «يقول الاستاذ الدكتور نضير الخزرجي الاعلامي والباحث العراقي: «الرأي الآخر للدراسات فى لندن» فى عرضه للكتاب فى موقع النبأ «إن هؤلاء لم يميزوا بين الابتداع في الدين أو في غيره، بل ولم يميزوا ما يُنسب إلى الدين أو إلى غيره، ومن هنا نشأت فكرة التكفير بمجرد مخالفة الرأي الآخر، لاجتهادهم الناشئ عن عقول متحجرة وأفكار نامية في قرى التخلف».
ويقول: إن سجل التاريخ القديم يحفل بنصوص لا يشك المرء من الوهلة الأولى أنها من بنات خيال الإنسان، خاصة تلك التي تتحدث عن عالم يرى فيه الإنسان أخاه الإنسان عن بعد، أو يتحدث إليه عبر القارات، أو يتصل به عبر فضاءات غير مرئية، «الم تقرب وسائل الاتصال الحديثة من فضائيات وإنترنت وإذاعات ووكالات أنباء وهواتف نقالة وغيرها البعيد؟ وتجعل العالم كله قرية صغيرة، حتى أصبحنا من شدة اختصارها للمسافات والزمن كأننا نعيش فى غرفة صغيرة؟» فلم يكن الواقع الإنساني يتصور إمكان التخاطب عن بعد، ولذلك عمد أكثر الناس إلى تجاهل مثل هذه النصوص ورميها في سلة الخيال الخصب، والبعض وعلى أسس عقيدية رفضها جملة وتفصيلا، والبعض الآخر على الأسس نفسها تقبلها قبولا حسنا، واضعا إياها في خانة الإخبار الغيبي القابل للتطبيق في قابل الزمان.
والكثير مما كان في عالم الاستحالة، انتقل في عصر المعلومات إلى حيز الإمكان، فرفع ذلك من وتيرة فضول بعض المهتمين بنصوص التاريخ، إلى محاولة اكتشاف الغامض من النصوص، لكن هذا البعض قاصرٌ عن التحقق من النصوص بوسائل علمية حديثة، لأنها في معظمها حكر على حكومات ومؤسسات غربية لا تدع للآخر معرفة أسرارها، كما أن دول الشرق بشكل عام لا تمتلك مثل هذه المؤسسات البحثية، أو لا يراد لها أن تمتلك ناصية العلم ، «وأشير هنا والاشارة من عندي الى أن الولايات المتحدة الامريكية، فى حربها المسعورة على ما يسمى بالإرهاب استخدمت كافة أنواع السلاح للقضاء على تنظيم القاعدة، وزعيمه أسامة بن لادن، لمدة عشرة أعوام كاملة، ففشلت فى تحقيق أهدافها لكنها من خلال إجادتها لاستخدام وسائل الاتصال الحديثة وقدرتها الفائقة على تحليل المعلومات التى توفرت لديها، نجحت فى الفتك برموز التنظيم ، وتمكنت أخيرا من اغتيال زعيم التنظيم». ويضيف الخزرجي فى سياق عرضه للكتاب: «إن البعض مع اكتناز خزينة النصوص الإسلامية للكثير من الدرر العلمية، غير واعين لأهمية هذا الكنز النفيس، ولهذا كلما استجد على ساحة العلم جديد تباروا لبيان أفضيلة الإسلام، وعدم تقاطعه مع العلم، وإلى التأكيد بأن هذا المكتشف العلمي أو ذاك من صميم الإسلام، وأن الإسلام سبق الآخرين في البت فيه، وما إلى ذلك من أقوال تعبر عن حسرة وغصة، لكننا نعدم الوسائل التي تترجم هذه النصوص إلى حقائق علمية تجريبية وحسية، فانشغلنا بلعبة التفاخر والإعجاز وتفرّغ الآخر لآلة التطور والإنجاز».
ويرِى أن الأسوأ من هذا هو أن البعض لا يكتفون برفض النصوص الحديثية أو القرآنية التي تستبطن مظاهر المدنية العلمية، أو تستظهرها وتحث المسلمين على الولوج في تلافيفها، بل يرفضونها بدعاوى كثيرة جاعلين الشيطان هو المدخل إلى رفض الجديد حتى وإن كان في خدمة الإنسان.
لقد جرت قاعدة الإباحة مجرى المسلمات، فكل شيء مباح للإنسان تصنيعا واستعمالا، إلا ما قيده نص وأخرجه من الإباحة والحلية، وهذه القاعدة هي المبتنى في كل جزئية من جزئيات الحياة الدنيا، فلا يمكن وصم الجديد بالبدعة بحجة أن الأجداد لم يعهدوه وجوداً واستخداماً، «هل نستطيع القول مثلا أن اسلافنا كانوا يمتطون الجمال والحمير والخيول والبغال وبالتالي لا ينبغي لنا أن نركب نحن الطائرة أو السيارة؟» أو أن البعض استعمل الشيء الجديد في موارد غير صحيحة، معارضة للشرع والعرف، فالآلة تبقى هي آلة صماء يستنطقها لسان الاستعمال، فإن استعملت في الخير كانت لسان حق، وإن استعملت في الشر كانت لسان باطل، وحسب تعبير آية الله الكرباسي: «فإن الآلات الحديثة والتأليت الحادث عبر التطور المستمر يخضع للنظام الإسلامي العام، فما استخدم في وجوه الصلاح والإصلاح فجائز، وما استخدم في وجوه الفساد والإفساد، فهو محرّم، فالاستخدام هو المهم، أما الآلة فهي جامدة كالسكين إن استخدمتها لأغراض مباحة وإنسانية فهي محللة، وان استخدمتها للقتل والطعن، فهي محرمة، فهي ذات وجهين تتحدد بنوعية الاستخدام، إلا إذا خصصت لأجل ما هو محرّم دون شك ولا ريب».
فالعبرة إذن في نوعية الاستخدام لا في أصل الجهاز، فوسائل الاتصال، ومنها القنوات الفضائية، منها ما ينشر الفضيلة ومنها ما ينفث الرذيلة، والأمر نفسه مع آلة الهاتف، وكل شيء صنعه الانسان، من طائرة وسيارة وصاروخ ومذياع وغيرها، العبرة فيها بكيفية الاستخدام، ولذلك يؤكد الفقيه الكرباسي أن: «الاستخدامات المحرّمة لا توجب حرمة الأدوات، فلو أن الهاتف أصبح وسيلة للدعارة فإن الهاتف لا يصبح محرماً بل استخدامه في هذا الغرض محرّم».
لذلك فكل ما في الوجود مسخر لخدمة الإنسان، فحريته وكرامته مقدمة على كل شيء، والتنوع في الملل والنحل، والأبدان والأديان، واللغات والصفات، مدعاة للتقارب البشري ، وكذلك التعاون على البر والتقوى، لإعمار الأرض وإحيائها، ولا وسائل علمية كوسائل الاتصال، أدل على مركزية التقارب البشري، الذي يقرب البعيد ويعزز القريب، مما يجعل البشرية بقاراتها السبع أسرة واحدة، إذ جمعتها السياسة في منظمة الأمم المتحدة، وجمعها العلم عبر وسائل الاتصالات والإرسال، من هاتف بكل تفريعاته من مسموع ومقروء ومرئي ومصوّر أو مذياع أو عدسة فضية «تلفزة» أو بريد «إلكتروني» أو شبكة بينية «الإنترنيت»، لأن من مفاهيم الاتصالات كما يشير مؤلف الكتاب أن: «الاتصال هو تقارب الشيئين واقترانهما، ومنه اتصال النيّرين الشمس والقمر، أي اقترانهما واستقبال أحدهما بوجه الآخر».
ومن الاتصال يحصل التقارب، ومن التقارب يتحقق التفاهم على تذليل الصعوبات والتوافق على تحييد الاختلافات، ولهذا فإن أي تطور باتجاه تقريب النفوس يعد خطوة مباركة، من حيث أن التطور المعرفي الخاص بالاتصالات كما يعتقد د. الكرباسي له مدخلية كبيرة في تقليص الخلافات بين الأمم وهو: «الطريق الأنجع إلى تلاقي الحضارات وفهم الشعوب والأمم بعضها للآخر».
ولا شك أن استخدام وسائل الاتصال الحديثة يدخل في نطاق حرية الإنسان، بيد أن الحرية ليست مفتوحة النهايات والمديات، وليست مقيدة قصيرة المساحات والمسافات، وإنما هي حرية مسؤولة، تقدر حق الأنا وتحترم رغبة الآخر، فلا يجوز على سبيل المثال استخدام الهاتف المصور من غير رضاء الطرف الآخر، قريبا كان أو بعيدا، ومن ذلك كما يشير الكرباسي: «هناك أشخاص لا يرغبون في الاتصال بغير مكاتبهم» جعلوا بيوتهم مكاناً للراحة وللعائلة، وهذا حقهم، فالاتصال بهم، مع العلم بعدم رغبتهم لا يجوز ، فالناس مسلطون على أنفسهم، فلا يصح التدخل في شؤونهم بلا رقيب أو حسيب، ومن ذلك تعمد بعض الشركات الإعلانية إلى استئذان صاحب البريد «الالكتروني» فيما ترسل إليه من إعلانات وتعطيه الخيار في الاستمرار أو رفضه، لإدراكها بأهمية حرية التلقي وتلافيا للإزعاج. لكننا اليوم بسبب عدم احترام البعض لحرياتنا يرسل الينا الكثير من المواد عبر صناديق البريد الالكتروني «إسبام».
وعلى مستوى الأمة، فإن اختراق قوانين البلد، أو التعدي على حقوقه جريمة يعاقب عليها القانون الوضعي، فضلا عن الحرمة الشرعية، وكمثال فإن: «نشر أية أخبار كاذبة ،أو كشف أية أسرار لأشخاص، أو دول محترمة الحقوق، عبر هذه الوسائل لا يجوز» ويخالف القانون ولا يحترمه، وعلى الإنسان احترام قوانين البلد، ذلك أن: «مخالفة القوانين العامة التي وضعت لأجل الحفاظ على البيئة أو الإنسان، لا يجوز كما لو منعت السلطات الخاصة استخدام الهاتف النقال، أثناء القيادة، فإن مخالفة ذلك أمر يحاسب عليه القانون «بحسبان أن الطريق حق للجميع وليس حكرا عليك وحدك» فالالتزام العام يقتضي رعاية جميع القوانين الموضوعة لأفراد المجتمع».
واحترام القوانين الموضوعة لخدمة الإنسان، لذلك فإن تنظيم عمل وسائل الاتصال واجب على الإنسان، بغض النظر عن البلد موطنا كان أو مهجرا، بلدا مسلما كان أو غير مسلم، و يرى الفقيه الغديري أن احترام القانون سيان، في البلد المسلم أو غير المسلم، ذلك أنه: «إذا كانت الدولة غير مسلمة، والتزم الإنسان برعاية قوانينها، ضمن القرار العام، فيجب العمل حسب التعاقد، كما هو الحال للمسلمين المقيمين في البلاد الغربية، فإنهم ملزمون باحترام قوانين تلك الدول التى يقيمون فيها » ومسؤولية المسلم في البلدان غير المسلمة تعظم وتكبر، لأن وسائل الإعلام على الأعم الأغلب، وهي جزء من وسائل الاتصالات، ناظرة إلى فعال المسلمين وأدائهم لا إلى أصل الإسلام وقواعده، ولهذا فأية إساءة للقوانين تنعكس سلبا على الإسلام والمسلمين، لأن المجتمعات غير المسلمة تقرأ الإسلام عبر صفحات كف المسلم، وما تجنيه يداه فإن أحسن أحسن للإسلام، وإن أساء أساء للإسلام! اليست امريكا تحارب المسلمين اليوم بما فعله ثلة من شباب المسلمين حينما استقلوا طائرات وهاجموا بها مواقع مدنية وعسكرية هناك؟
ومن الطبيعي أن كل وسيلة أو آلة خاضعة لقانون المنفعة والمضرة، دون أن تدخل حيز التحريم الكلي، كما أن احترام القوانين لا يعطي الحق الكامل للسلطة للاعتداء على حقوق المجتمع وحريته، وإن كانت الحكومة منتخبة، إلا في إطارات ضيقة للغاية، تفرضها المصلحة العامة، من باب تغليب العام على الخاص، فكما لا يجوز استخدام وسائل الاتصال في أي وجه من وجوه الحرام، فإنه وبنظر الفقيه الكرباسي: «لا يجوز للشركة المسؤولة أو الدولة التنصت على المكالمات الهاتفية، وكل وسائل الاتصال، إلا في ظروف استثنائية، وبإذن الحاكم الشرعي، والسبب في ذلك كما يشير الفقيه الغديري: «لكونه من مصاديق التجسس المحرّم، ولا يجوز التدخل في الشؤون الشخصية إلا أن يكون هناك داع آخر من حفظ الدين والبلد وأمثاله، فيتوقف الأمر حينئذٍ على الإذن من الحاكم الشرعي، وفي ظروف معيّنة وشرائط خاصة، من غير تعدٍّ للقيود المحدّدة». «لكن كثير من حكوماتنا تستغل هذا الحق وتضيق على وسائل الاتصال اشد التضييق».
وفي جانب آخر لا يصح استخدام وسائل الاتصالات الحديثة للترويج إلى ما هو محرّم ومناف للأخلاق والفطرة الإنسانية، والأعراف الاجتماعية السليمة، كالدعاية للخمر والفاحشة وادخال الخوف في قلوب الناس، وسلب الأجواء الأمنية في المجتمع، ونقض السلام، وهدم بُنية الحياة الاجتماعية، وغصب حقوق البشر، وتقوية روح الإرهاب، وتنمية فكرة العنف».
ويرى د. الخزرجي أن «شريعة الاتصالات» التي تضمنت «76» مسألة فقهية حديثة تتناول قضية إفرازات الثورة العلمية، في مجال الاتصال مع «82» تعليقاً غنياً بمفاهيم إسلامية وشرعية، تواكب العصر وتطوره، تمثل قفزة نوعية في مجال التأسيس لفقه معاصر، يعالج كل مستجدات العلم الحديث، بما يغني المجتمع ويضع المرء على جادة الصواب، ويحمي المعمورة من سلبيات العلوم الحديثة وتداعياتها.
كاتب وصحافي سوداني مقيم بقطر
الصحافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.