نائب رئيس مجلس السيادة يلتقي رئيسة منظمة الطوارئ الإيطالية    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشؤون الأمنية توت قلواك: كباشي أطلع الرئيس سلفا كير ميارديت على استعداد الحكومة لتوقيع وثيقة إيصال المساعدات الإنسانية    لحظة فارقة    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    حزب الأمة القومي: يجب الإسراع في تنفيذ ما اتفق عليه بين كباشي والحلو    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انشغلنا بلعبة التفاخر فتفرغ الآخر للإنجاز..!ا
نشر في الراكوبة يوم 16 - 05 - 2011


الراي1
انشغلنا بلعبة التفاخر فتفرغ الآخر للإنجاز..!!
سليم عثمان
سمعت فى إحدى الفضائيات شيخا جليلا يوجه حديثه للمشاهدين قائلا: إن الإنترنت والفضائيات تجلب الى بيوتكم الزناة والعاهرات، وذلك فى معرض حديث له عن أثر الفضائيات فى تربية النشء، قلت: الله أكبر! كيف لهذه الأجهزة أن تجلب عاهرات وزناة الى بيوتنا وقد أغلقنا أبوابها؟ وخطر ببالي أن أحطم أجهزة التلفزيون الموجودة بالبيت، كل بيت فى زماننا هذا فيه عدد من أجهزة التلفاز، ربما يجد المرء فى كل غرفة فى بعض البيوت تلفازا، وقلت فى نفسي لا بد أن أقوم بإيقاف اشتراكي فى تلك الشبكة العنكبوتية الرهيبة «الإنترنت» التى تدخل فساقا كثر من كل أرجاء الدنيا الى بيتي، وبعد برهة تمعنت فى حديث الشيخ، فقلت:ربما كان الرجل يقصد أولئك النساء الكاسيات، العاريات المايلات المميلات، المغيرات لخلق الله، بعشرات العمليات الجراحية للتجمل، كأنهن ما رضين بخلق الله، الذى خلق الإنسان فى أحسن تقويم، قلت ربما كان يقصد أولئك المذيعات والممثلات والنساء اللاتي يُظهرن على الشاشة البلورية فتحات صدورهن «منطقة الترائب» وربما يقصد الرجل أولئك الشباب العرب وأولئك الصبايا العربيات، فى تلك البرامج التى يقولون: أنها تحاكي الواقع «إستار أكاديمي» وما يفعلونه خلال مدة اقامتهم فى نزل مهيأة لممارسة الرذيلة، وتعلم فنونها، كأن ما يقومون به نوع من المدنية والتحضر، والغريب والعجيب أن الملايين من العرب كبارا وصغارا، يشاهدون تلك البرامج، وتلك الخلوات غير البريئة، قلت إن الرجل لم يكن يقصد بحديثه هذا تلك الأجهزة الصماء، التى صنعها لنا الغربيون فى مصانعهم ومعاملهم، لنستفيد منها ونمحو شيئا من أميتنا «يقولون: ليس الأمي اليوم الشخص الذى لا يعرف الكتابة والقراءة «فك الخط» بل الذى لا يعرف ولا يجيد التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة»، بل ربما كان الشيخ يقصد والله أعلم كيفية استخدامنا لها.
ومن طريف ما يذكر في مجال التطور العلمي، على صعيد الاتصالات، أن الهاتف حينما دخل دولة عربية للتو حضر أحد كبار رجال الدين الى مجلس الحاكم، فوجد إلى جانبه جهاز الهاتف، وعندما حاول الحاكم استخدامه زجره العالم ناعتا الهاتف بالشيطان، فاحتال الحاكم على رجل الدين بأن أوعز لأحد موظفي القصر، بأن يتلو عبر الهاتف آيات من الذكر الحكيم، ولما استمع العالم إلى القرآن يصدر من الهاتف، عاجله الحاكم بالسؤال: وهل يمكن للشيطان أن يتلو القرآن يا مولانا؟ فأُسقط في يدي العالم، وتقبل الأمر على مضض، كون الهاتف ليس شيطانا رجيما، إذن يمكن أن تجلب لنا وسائل الاتصال الحديثة، خاصة الانترنت والفضائيات،إن أحسنا استخدامها علوما دينية ودنيوية نافعة، وملائكة يظللون مساحات أرواحنا فيحيونها بعد موات، ويمكنها أيضا أن تجلب شياطين الانس والجن، وكل عاهر وفاجر وزنديق وفاسق، فليس من عاقل بالطبع يتحدث عن أن هذا الجهاز أو ذاك حرام أو حلال، إنما الحرام والحلال يكمن فى استخدامنا لها، وكان بامكاننا أن ننتهز فرصة توفر هذه التقنيات بين أيدينا ونطور بلداننا وننور عقولنا التى ران عليها الجهل، ونسج العنكبوت التحجر عليها، فصرنا نفاخر الأمم بما صنعه سلفنا من حضارة وإعجاز، في وقت تفرغ فيه الآخر، حتى كاد يرتاد الثريا، ونحن فى الثرى نتمرغ.
وبوسائل الاتصال الحديثة هذه تمكنا من إسقاط انظمة ديكتاتورية، جثمت على صدورنا سنين عددا، ويمكننا أن نستغلها كأفتك سلاح ضد عدونا، لكن يبدو أن عدونا نجح فى أن يجعلنا نلهو مع هذه الآلات الصماء، فالذين يتصفحون المواقع الاباحية والجنسية فى الانترنت من الجنسين، خاصة فئة الشباب بالملايين، والذين يتابعون الفضائيات الهابطة التى تعرض اللحوم «لحوم البشر» أيضا كثر، أما أولئك الذين يرتادون المواقع الجادة فى كافة مجالات الحياة والمعرفة، فأعدادهم فى تناقص مستمر، تماما كحال مساجد المسلمين فى البلاد العربية، حيث لا يرتادها الا كبار السن والشيوخ، إذن هل العيب فينا أم فى تلك الأجهزة والوسائل التقنية الحديثة للتواصل؟
فقد نسب البعض منا كل جديد إلى الشيطان، في محاولة للحجر على عقل الإنسان، وإن كان يخبر هذا التصرف غير العقلائي عن كينونة هؤلاء البعض، القائمين أصلا على التحجّر، فهم يضللون الناس عن مستنقع جمودهم، بوصم الجديد بالشيطنة، فمثل هؤلاء كما يؤكد الفقيه الشيخ الدكتور محمد صادق الكرباسي، عند تناوله لوسائل الاتصال الحديثة في كتاب «شريعة الاتصالات» الصادر عن بيت العلم للنابهين في بيروت في «48» صفحة من القطع الصغير، مع تقديم وتعليق الفقيه الشيخ حسن رضا الغديري «يقول الاستاذ الدكتور نضير الخزرجي الاعلامي والباحث العراقي: «الرأي الآخر للدراسات فى لندن» فى عرضه للكتاب فى موقع النبأ «إن هؤلاء لم يميزوا بين الابتداع في الدين أو في غيره، بل ولم يميزوا ما يُنسب إلى الدين أو إلى غيره، ومن هنا نشأت فكرة التكفير بمجرد مخالفة الرأي الآخر، لاجتهادهم الناشئ عن عقول متحجرة وأفكار نامية في قرى التخلف».
ويقول: إن سجل التاريخ القديم يحفل بنصوص لا يشك المرء من الوهلة الأولى أنها من بنات خيال الإنسان، خاصة تلك التي تتحدث عن عالم يرى فيه الإنسان أخاه الإنسان عن بعد، أو يتحدث إليه عبر القارات، أو يتصل به عبر فضاءات غير مرئية، «الم تقرب وسائل الاتصال الحديثة من فضائيات وإنترنت وإذاعات ووكالات أنباء وهواتف نقالة وغيرها البعيد؟ وتجعل العالم كله قرية صغيرة، حتى أصبحنا من شدة اختصارها للمسافات والزمن كأننا نعيش فى غرفة صغيرة؟» فلم يكن الواقع الإنساني يتصور إمكان التخاطب عن بعد، ولذلك عمد أكثر الناس إلى تجاهل مثل هذه النصوص ورميها في سلة الخيال الخصب، والبعض وعلى أسس عقيدية رفضها جملة وتفصيلا، والبعض الآخر على الأسس نفسها تقبلها قبولا حسنا، واضعا إياها في خانة الإخبار الغيبي القابل للتطبيق في قابل الزمان.
والكثير مما كان في عالم الاستحالة، انتقل في عصر المعلومات إلى حيز الإمكان، فرفع ذلك من وتيرة فضول بعض المهتمين بنصوص التاريخ، إلى محاولة اكتشاف الغامض من النصوص، لكن هذا البعض قاصرٌ عن التحقق من النصوص بوسائل علمية حديثة، لأنها في معظمها حكر على حكومات ومؤسسات غربية لا تدع للآخر معرفة أسرارها، كما أن دول الشرق بشكل عام لا تمتلك مثل هذه المؤسسات البحثية، أو لا يراد لها أن تمتلك ناصية العلم ، «وأشير هنا والاشارة من عندي الى أن الولايات المتحدة الامريكية، فى حربها المسعورة على ما يسمى بالإرهاب استخدمت كافة أنواع السلاح للقضاء على تنظيم القاعدة، وزعيمه أسامة بن لادن، لمدة عشرة أعوام كاملة، ففشلت فى تحقيق أهدافها لكنها من خلال إجادتها لاستخدام وسائل الاتصال الحديثة وقدرتها الفائقة على تحليل المعلومات التى توفرت لديها، نجحت فى الفتك برموز التنظيم ، وتمكنت أخيرا من اغتيال زعيم التنظيم». ويضيف الخزرجي فى سياق عرضه للكتاب: «إن البعض مع اكتناز خزينة النصوص الإسلامية للكثير من الدرر العلمية، غير واعين لأهمية هذا الكنز النفيس، ولهذا كلما استجد على ساحة العلم جديد تباروا لبيان أفضيلة الإسلام، وعدم تقاطعه مع العلم، وإلى التأكيد بأن هذا المكتشف العلمي أو ذاك من صميم الإسلام، وأن الإسلام سبق الآخرين في البت فيه، وما إلى ذلك من أقوال تعبر عن حسرة وغصة، لكننا نعدم الوسائل التي تترجم هذه النصوص إلى حقائق علمية تجريبية وحسية، فانشغلنا بلعبة التفاخر والإعجاز وتفرّغ الآخر لآلة التطور والإنجاز».
ويرِى أن الأسوأ من هذا هو أن البعض لا يكتفون برفض النصوص الحديثية أو القرآنية التي تستبطن مظاهر المدنية العلمية، أو تستظهرها وتحث المسلمين على الولوج في تلافيفها، بل يرفضونها بدعاوى كثيرة جاعلين الشيطان هو المدخل إلى رفض الجديد حتى وإن كان في خدمة الإنسان.
لقد جرت قاعدة الإباحة مجرى المسلمات، فكل شيء مباح للإنسان تصنيعا واستعمالا، إلا ما قيده نص وأخرجه من الإباحة والحلية، وهذه القاعدة هي المبتنى في كل جزئية من جزئيات الحياة الدنيا، فلا يمكن وصم الجديد بالبدعة بحجة أن الأجداد لم يعهدوه وجوداً واستخداماً، «هل نستطيع القول مثلا أن اسلافنا كانوا يمتطون الجمال والحمير والخيول والبغال وبالتالي لا ينبغي لنا أن نركب نحن الطائرة أو السيارة؟» أو أن البعض استعمل الشيء الجديد في موارد غير صحيحة، معارضة للشرع والعرف، فالآلة تبقى هي آلة صماء يستنطقها لسان الاستعمال، فإن استعملت في الخير كانت لسان حق، وإن استعملت في الشر كانت لسان باطل، وحسب تعبير آية الله الكرباسي: «فإن الآلات الحديثة والتأليت الحادث عبر التطور المستمر يخضع للنظام الإسلامي العام، فما استخدم في وجوه الصلاح والإصلاح فجائز، وما استخدم في وجوه الفساد والإفساد، فهو محرّم، فالاستخدام هو المهم، أما الآلة فهي جامدة كالسكين إن استخدمتها لأغراض مباحة وإنسانية فهي محللة، وان استخدمتها للقتل والطعن، فهي محرمة، فهي ذات وجهين تتحدد بنوعية الاستخدام، إلا إذا خصصت لأجل ما هو محرّم دون شك ولا ريب».
فالعبرة إذن في نوعية الاستخدام لا في أصل الجهاز، فوسائل الاتصال، ومنها القنوات الفضائية، منها ما ينشر الفضيلة ومنها ما ينفث الرذيلة، والأمر نفسه مع آلة الهاتف، وكل شيء صنعه الانسان، من طائرة وسيارة وصاروخ ومذياع وغيرها، العبرة فيها بكيفية الاستخدام، ولذلك يؤكد الفقيه الكرباسي أن: «الاستخدامات المحرّمة لا توجب حرمة الأدوات، فلو أن الهاتف أصبح وسيلة للدعارة فإن الهاتف لا يصبح محرماً بل استخدامه في هذا الغرض محرّم».
لذلك فكل ما في الوجود مسخر لخدمة الإنسان، فحريته وكرامته مقدمة على كل شيء، والتنوع في الملل والنحل، والأبدان والأديان، واللغات والصفات، مدعاة للتقارب البشري ، وكذلك التعاون على البر والتقوى، لإعمار الأرض وإحيائها، ولا وسائل علمية كوسائل الاتصال، أدل على مركزية التقارب البشري، الذي يقرب البعيد ويعزز القريب، مما يجعل البشرية بقاراتها السبع أسرة واحدة، إذ جمعتها السياسة في منظمة الأمم المتحدة، وجمعها العلم عبر وسائل الاتصالات والإرسال، من هاتف بكل تفريعاته من مسموع ومقروء ومرئي ومصوّر أو مذياع أو عدسة فضية «تلفزة» أو بريد «إلكتروني» أو شبكة بينية «الإنترنيت»، لأن من مفاهيم الاتصالات كما يشير مؤلف الكتاب أن: «الاتصال هو تقارب الشيئين واقترانهما، ومنه اتصال النيّرين الشمس والقمر، أي اقترانهما واستقبال أحدهما بوجه الآخر».
ومن الاتصال يحصل التقارب، ومن التقارب يتحقق التفاهم على تذليل الصعوبات والتوافق على تحييد الاختلافات، ولهذا فإن أي تطور باتجاه تقريب النفوس يعد خطوة مباركة، من حيث أن التطور المعرفي الخاص بالاتصالات كما يعتقد د. الكرباسي له مدخلية كبيرة في تقليص الخلافات بين الأمم وهو: «الطريق الأنجع إلى تلاقي الحضارات وفهم الشعوب والأمم بعضها للآخر».
ولا شك أن استخدام وسائل الاتصال الحديثة يدخل في نطاق حرية الإنسان، بيد أن الحرية ليست مفتوحة النهايات والمديات، وليست مقيدة قصيرة المساحات والمسافات، وإنما هي حرية مسؤولة، تقدر حق الأنا وتحترم رغبة الآخر، فلا يجوز على سبيل المثال استخدام الهاتف المصور من غير رضاء الطرف الآخر، قريبا كان أو بعيدا، ومن ذلك كما يشير الكرباسي: «هناك أشخاص لا يرغبون في الاتصال بغير مكاتبهم» جعلوا بيوتهم مكاناً للراحة وللعائلة، وهذا حقهم، فالاتصال بهم، مع العلم بعدم رغبتهم لا يجوز ، فالناس مسلطون على أنفسهم، فلا يصح التدخل في شؤونهم بلا رقيب أو حسيب، ومن ذلك تعمد بعض الشركات الإعلانية إلى استئذان صاحب البريد «الالكتروني» فيما ترسل إليه من إعلانات وتعطيه الخيار في الاستمرار أو رفضه، لإدراكها بأهمية حرية التلقي وتلافيا للإزعاج. لكننا اليوم بسبب عدم احترام البعض لحرياتنا يرسل الينا الكثير من المواد عبر صناديق البريد الالكتروني «إسبام».
وعلى مستوى الأمة، فإن اختراق قوانين البلد، أو التعدي على حقوقه جريمة يعاقب عليها القانون الوضعي، فضلا عن الحرمة الشرعية، وكمثال فإن: «نشر أية أخبار كاذبة ،أو كشف أية أسرار لأشخاص، أو دول محترمة الحقوق، عبر هذه الوسائل لا يجوز» ويخالف القانون ولا يحترمه، وعلى الإنسان احترام قوانين البلد، ذلك أن: «مخالفة القوانين العامة التي وضعت لأجل الحفاظ على البيئة أو الإنسان، لا يجوز كما لو منعت السلطات الخاصة استخدام الهاتف النقال، أثناء القيادة، فإن مخالفة ذلك أمر يحاسب عليه القانون «بحسبان أن الطريق حق للجميع وليس حكرا عليك وحدك» فالالتزام العام يقتضي رعاية جميع القوانين الموضوعة لأفراد المجتمع».
واحترام القوانين الموضوعة لخدمة الإنسان، لذلك فإن تنظيم عمل وسائل الاتصال واجب على الإنسان، بغض النظر عن البلد موطنا كان أو مهجرا، بلدا مسلما كان أو غير مسلم، و يرى الفقيه الغديري أن احترام القانون سيان، في البلد المسلم أو غير المسلم، ذلك أنه: «إذا كانت الدولة غير مسلمة، والتزم الإنسان برعاية قوانينها، ضمن القرار العام، فيجب العمل حسب التعاقد، كما هو الحال للمسلمين المقيمين في البلاد الغربية، فإنهم ملزمون باحترام قوانين تلك الدول التى يقيمون فيها » ومسؤولية المسلم في البلدان غير المسلمة تعظم وتكبر، لأن وسائل الإعلام على الأعم الأغلب، وهي جزء من وسائل الاتصالات، ناظرة إلى فعال المسلمين وأدائهم لا إلى أصل الإسلام وقواعده، ولهذا فأية إساءة للقوانين تنعكس سلبا على الإسلام والمسلمين، لأن المجتمعات غير المسلمة تقرأ الإسلام عبر صفحات كف المسلم، وما تجنيه يداه فإن أحسن أحسن للإسلام، وإن أساء أساء للإسلام! اليست امريكا تحارب المسلمين اليوم بما فعله ثلة من شباب المسلمين حينما استقلوا طائرات وهاجموا بها مواقع مدنية وعسكرية هناك؟
ومن الطبيعي أن كل وسيلة أو آلة خاضعة لقانون المنفعة والمضرة، دون أن تدخل حيز التحريم الكلي، كما أن احترام القوانين لا يعطي الحق الكامل للسلطة للاعتداء على حقوق المجتمع وحريته، وإن كانت الحكومة منتخبة، إلا في إطارات ضيقة للغاية، تفرضها المصلحة العامة، من باب تغليب العام على الخاص، فكما لا يجوز استخدام وسائل الاتصال في أي وجه من وجوه الحرام، فإنه وبنظر الفقيه الكرباسي: «لا يجوز للشركة المسؤولة أو الدولة التنصت على المكالمات الهاتفية، وكل وسائل الاتصال، إلا في ظروف استثنائية، وبإذن الحاكم الشرعي، والسبب في ذلك كما يشير الفقيه الغديري: «لكونه من مصاديق التجسس المحرّم، ولا يجوز التدخل في الشؤون الشخصية إلا أن يكون هناك داع آخر من حفظ الدين والبلد وأمثاله، فيتوقف الأمر حينئذٍ على الإذن من الحاكم الشرعي، وفي ظروف معيّنة وشرائط خاصة، من غير تعدٍّ للقيود المحدّدة». «لكن كثير من حكوماتنا تستغل هذا الحق وتضيق على وسائل الاتصال اشد التضييق».
وفي جانب آخر لا يصح استخدام وسائل الاتصالات الحديثة للترويج إلى ما هو محرّم ومناف للأخلاق والفطرة الإنسانية، والأعراف الاجتماعية السليمة، كالدعاية للخمر والفاحشة وادخال الخوف في قلوب الناس، وسلب الأجواء الأمنية في المجتمع، ونقض السلام، وهدم بُنية الحياة الاجتماعية، وغصب حقوق البشر، وتقوية روح الإرهاب، وتنمية فكرة العنف».
ويرى د. الخزرجي أن «شريعة الاتصالات» التي تضمنت «76» مسألة فقهية حديثة تتناول قضية إفرازات الثورة العلمية، في مجال الاتصال مع «82» تعليقاً غنياً بمفاهيم إسلامية وشرعية، تواكب العصر وتطوره، تمثل قفزة نوعية في مجال التأسيس لفقه معاصر، يعالج كل مستجدات العلم الحديث، بما يغني المجتمع ويضع المرء على جادة الصواب، ويحمي المعمورة من سلبيات العلوم الحديثة وتداعياتها.
كاتب وصحافي سوداني مقيم بقطر
الصحافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.