لم تكن هي المرة الأولى.. فقد شهد عام 1970م تفوقنا على غانا بهدف حسبو الصغير في نهائي أمم أفريقيا بالخرطوم ويومها كانت فرحة السودانيين غامرة ابتهاجاً بالنصر الفوز بالبطولة.. وبعد أربعين عاماً من تلك الفرحة يخرج الشعب السوداني في مسيرات فرح وابتهاج بتعادل منتخبنا مع غانا القوية في عقر دارها وبين جمهورها الشرس ويقتلع الأبطال نقطة غالية جعلت السودان شريكاً في الصدارة.. الفرحة هنا ليست لهذه النقطة ولا كسابقتها مقرونة ببطولة ولكنها فرحة بعودة الروح للمنتخب الوطني التي افتقدها في كثير من الفترات.. هي فرحة ذات دلالات ومعانٍ ترتكز على قيم وطنية تضع الكل أمام مسؤولية قومية نحو المنتخب بعد أن انفضوا عنه في زمن الإحباط والمرارة، جاءت هذه المباراة لتستأصل المرارة من حلق المواطن السوداني المغلوب على أمره الذي يعيش حالة من الإحباط والتوجس بما تخبؤه له مقبل الأيام من قضايا وطنية تهدد وحدته وأمنه واستقراره. الفرحة هنا ليست لأننا جمعنا نقطة ولكنها جاءت غامرة تلقائية لأنها عمقت الإحساس بالوطن بل انحبست أنفاس أربعين مليون سوداني على مختلف توجهاتهم وعرقياتهم وقبائلهم طيلة تسعين دقيقة في تلاحم وطني نادر، برغم أجواء التعكير التي يعيشها أبناء الشعب السوداني، فكانت انطلاقة الكل التلقائية بعد الصافرة فرحة مهلة يعلو هتافها فوق.. فوق سودانا فوق.. كذبت السياسة التي تفرق وصدقت الرياضة التي توحد، فالمشهد كان رائعاً والتلاحم قوياً والكل ينادي بسودان عالٍ مرفوع القامة.. جاء تعادل النصر في زمن الانشطار ليوحد وليؤكد وحدة الهوية والتوجه معمقاً الاحساس بالوطن مؤكداً أن السوداني لا يتبدل ولا يغير هويته حتى لو غير جواز سفره وجنسيته ومكان إقامته فكم من أبناء السودان يحملون جنسيات أخرى وكم منهم يعيش بعيدا عنه ولكنهم داخل الوطن بإحساسهم وقلوبهم ووجدانهم، فخطوط الطول والعرض والفواصل الجغرافية لا تمر بقلوب أهل السودان ولا تعرف طريقها إليهم. مباراة السودان وغانا لعبت في زمن الإحباط والتوجس لتشحذ الهمم وتعيد البوصلة لاتجاه الوطن الواحد قبل أن ينفرط عقده ويتفرق جمعه فكانت الفرحة التي تبعث الأمل في عودة الضالين من أبنائه لحضنه من جديد لعلهم يعودون وهم أكثر إحساساً به وترابطا معه. مازدا أنت وأبناؤك ومعاونوك متعكم الله بالصحة والعافية، فقد شكلت معهم حصناً قوياً للوحدة الوطنية واستطعت في تسعين دقيقة أن توحد مشاعر كل أبناء السودان بل وجعلت كل الأكف ترتفع لله في دعاء النصر النصر لمن؟ النصر للوطن والنصر للقيم والنصر للوحدة. يكفيك فخراً مازدا أن تقود السودان نحو وحدة وطنية حتى ولو كان عمرها تسعين دقيقة فأثرها كان قوياً ومردودها نسأل الله أن يكون إيجابياً.. والله أكبر والنصر والعزة للسودان. خواطر بعيون مغترب/ حيدر محمود عدلان رأس الخيمة