موظفة الرعاية الاجتماعية بولاية الخرطوم بعد زيارة خاطفة لمنزل «أم مريم» بالجريف شرق قررت فتح «ملفها» ووعدت بتقديم مساعدة سخية لأم الأطفال «السبعة» وتوفير عمل لها لتعولهم. وخرجت الموظفة من البيت الطيني ذي الغرفتين لتخرج وراءها أحلام أسرة بكاملها ولتعود «أم مريم» إلى «الاستوبات» في شارع المطار والمك نمر ولفة الجريف. القصة بدأت بتخلي الوالد عن أولاده إثر خلافه مع أمهم والزواج من أخرى، وبالطبع إنجاب أطفال آخرين رغم محدودية دخله. «أم مريم» وجدت نفسها تخرج إلى الشارع بخجل وتقف أمام بيوت الأثرياء في الحي وهي تحمل ابنتها الصغيرة مريم وتعود مساء تحمل الطعام لأبنائها. وما لم تتوقعه كما تقول هو أن يستمر الوضع كما هو عليه وتستمر في التسوُّل بعد أن «ظنت» أنه سيكون مرحلة قصيرة وتنتهي سريعاً بعد أن تحصل على عمل «أي عمل» وجدناها في شارع المك نمر تقف بظل إحدى الأشجار تنتظر توقُّف الحركة لتتجه إلى أصحاب السيارات، كانت تمد يدها في صمت فيقوم البعض بتقديم المال لها فيما يمتنع آخرون، عندما واجهناها بأن ما تقوم به غير قانوني وغير لائق اجتماعياً ردت ضاحكة، قبل «5» أعوام من الآن كان هذا رأيي أنا أيضاً، لكن ما لم أتوقعه أن يكون التسوُّل مهنتي كغيره من المهن الهامشية كبيع الشاي، وقبل أشهر تعرضت «أم مريم» كما تقول لحملات النظام العام وتم وضعها في «دار بشائر» للمتشردات حيث وجدت متسولات من جنسيات مختلفة وأُفرج عنها بعد «4» أيام وعادت إلى أطفالها وتبع ذلك «المسح الاجتماعي» للرعاية الاجتماعية الذي لم تستفد منه شيء كما تقول. أبناؤها أكبرهم في الصف الثاني الثانوي وأصغرهم في الروضة ولم تحاول الحصول على إعفائهم من الرسوم الدراسية لأنها «جرجرة» كما تقول لا جدوى منها. المثير أنها رفضت العمل ك«مراسلة» بوزارة مهمة لأن المرتب لا يكفي حسب قولها وتسكن في منزل مؤجر بمبلغ 250 جنيهاً شهرياً وتعتمد على تعاون أهل الحي معها كلٌ حسب قدرته إضافة إلى زكاة سنوية تقدمها لها إحدى الشركات تتجاوز المليون جنيه بقليل مكنتها هذا العام من شراء تلفزيون لأبنائها ودفع جزء من الرسوم الدراسية. «أم مريم» رفضت الحديث عن أقاربها وزوجها وترى أنه لا أحد يهمها وتسعى كل صباح لتوفير ما يحتاجه أطفالها ليكملوا تعليمهم ولا يحزنها شيء كتعثُّر ابنها البكر «15» عام عن دراسته وتتمنى أن يفهم الآخرون أنها مجبرة على ممارسة التسوُّل لأنها لا تملك مؤهلات والعمل الذي حصلت عليه لم يكن راتبه يكفي للمواصلات من وإلى الجريف حيث تقطن، وكان لديها أمل في مساعدة الرعاية الاجتماعية بالحصول على دعم عيني أوتوفير وسيلة إنتاج لها ولكن لم يحدث رغم وعدهم لها.