الشحادون.. مواكبة الأزمنة! الخرطوم: يوسف دوكة في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة التسول بصورة جنونية، لا سيما في العاصمة القومية، ولعل هذه الظاهرة تعتبر من الظواهر المزعجة التي تقلق المجتمع، ومع التقدم التكنولوجي والحداثة التي طالت كل شئ، كان لا بد للمتسولين أن يجاروا تلك الحداثة بطرق كثيرة وحديثة بخلاف الأساليب التقليدية التي كانوا يمارسونها في السابق، وخلال هذه المساحة نحاول أن نلقي الضوء على مستجدات ظاهرة التسول، وأساليبها، التى رفعت حاجبي المجتمع من فرط الدهشة التسول بالموسيقى: لعل من أحدث طرق التسول الجديدة طريقة (التسول بالموسيقى)، وهي أن يحمل أحدهم بيده آلة موسيقية معينة، تختلف من شخص لآخر، وتتنوع ما بين الطبلة والرق والناي و المزمار، ويلحنون ويعزفون مقطوعات لكبار المطربين، بعد أن تدربوا عليها جيدا حتى تخرج إلى الجمهور بشكل جيد، ومن ثم يجوبون الشوارع والميادين ويقفون أمام كل تجمع فترة تتعدى الدقيقة حيث يمسك واحد منهم بيده إناء متوسط الحجم يجمع فيه ما يمنحه إياهم المواطنون من صدقة قبل أن يغادر إلى تجمع آخر! وربما لم ينتشر هذا النوع كثيراً في السودان، لكننا نجده بصورة أوضح في البلدان الاوروبية. لوح ودوايه: طفل صغير لا تتعدى سنواته العشر يجوب الشوارع حاملا بيده اليمنى (لوح دواية) مكتوب عليها آيات من الذكر الحكيم، ويتحدث بصوت خافت وهو يطلب المساعدة، وهذا يعتبر أخطر أنواع التسول لأن ديننا الحنيف يمنع التجارة بكتاب الله، ولأن المتسول بهذه الكيفية يعرض القرآن للسخرية، وهناك وسائل كثيرة للحياة الكريمة بدلاً من الاستجداء بالقرآن. الشحاد (الأنيق): شاب في مقتبل العمر يرتدي زياً أنيقاً يطلب منك بكل شجاعة التوقف، وبعدها يحكي لك عن (حاله) وعن الذي جعله يوقفك، وهو بكل بساطة أنه محتاج لتساعده ليصل إلى مكان سكنه لأن أمواله اتسرقت، وهذه الطريقة يكررها هذا المتسول مع مجموعة من الناس بنفس هذا السيناريو، وبهذا يكون قد جمع مجموعة من الجنيهات ليرجع إلى منزله و(جيبه) مملوء بها، وهذه العروض دائماً ما تبدأ بعد صلاة العصر، وهو موعد عودة الموظفين إلى منازلهم وينتهي في الساعات الأخيرة من الليل. الله يعرس ليك: أطفال صغار في السن تتركهم أسرهم بالقرب من مواقف المواصلات، يرتدون ثيابا رثة، منهم من يصعد إلى الحافلات طالباً مبلغاً زهيداً من المال، ومنهم من يتشبثون بالمارة ويمسكون بهم ليعطوهم مما أعطاهم ربهم، والبعض الآخر يمسك بيدك ويدعو لك بصوت حنون (الله يخليك ..ويعرس ليك .... ويديك العافية... ويا عسولة ربنا يخلي ليك حبيبك)، وبعد هذا الطريقة (المنمقة) في التسول تأتي أسرهم بين الفنية والأخرى لتتفقد دخلهم اليومي. روشتة ضرورية: الدكتور عبد الحي علي أستاذ علم النفس الاجتماعي، يرى أن التسول صفة مرتبطة بشخصية غير مستقرة اجتماعياً ونفسياً وهي شخصية نعتبرها عدائية للمجتمع الذي تعيش فيه من خلال التلذذ بالاستحواذ على ما في أيدي الآخرين. ويضيف أن ترك هذه الظاهرة دون علاج سيؤدي إلى زيادة عددهم، لأن التسول كالمرض ينتشر بسرعة بين أفراد المجتمع فالمتسولون يمثلون نمطاً سلوكياً سيئاً في المجتمع الذي يعيشون فيه ولديهم القدرة على تزييف الحقائق وتغيير الشكل والمظهر لجذب الانتباه، كما أنهم لا يحاولون الإنتاج أو العمل وبالتالي فالشخصية المتسولة هي شخصية (سايكوباتية أنانية) تنضوي على كثير من الاغتراب واللامبالاة، وتعاني من أمراض نفسية شديدة حيث تنفصل انفصالاً نفسياً عن المجتمع، وعن أسباب التسول يقول دكتور عبد الحي إن الأسباب التي تؤدي لوجود مثل هذه الظاهرة عديدة ويمكن تلخيصها في جانبين: الأول اجتماعي ناتج عن وجود أسرة مفككة وأم لا تحسن تربية الأبناء، والهروب من التعليم بجانب أبناء الشوارع، والجانب الثاني اقتصادي ويتمثل في الفقر والبطالة وعدم وجود مصدر للدخل يكفي لسد احتياجات المعيشة، فغالبية المتسولين من الطبقة المعدومة وهو ما يدفع الأشخاص غير الأسوياء للنزول إلى الشارع ومد أيديهم للتسول وهي مهنة تقضي على الإنسان من الداخل (الأنا) وهم يحتاجون رعاية من المجتمع تعيدهم إلى صفوف الأفراد الأسوياء المنتجين، وهي مسئولية مجتمع بأكمله وليس الشئون الاجتماعية فقط، وهو ما يتطلب وضع خطة على مستوى كل ولاية من قبل الجهات الرسمية والجمعيات الأهلية بكافة أشكالها ورجال الأعمال بحيث تنشأ مؤسسات تدريبية للمتسولين والعاطلين، وتحولهم من طاقة غير منتجة إلى منتجة كتعليمهم بعض الحرف الصغيرة للحد من انتشار هذه الظاهرة.