يزور لبنان حالياً الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وقد أثارت هذه الزيارة حتى قبل أن تتم إهتمام اللبنانيين على اختلاف طوائفهم وأثارت أيضاً إهتمام قطاعات واسعة في العالم العربي وإسرائيل وأوروبا والولايات المتحدةالأمريكية. وإيران - التي هي قوة إقليمية ذات شأن تسعى جادة لامتلاك السلاح النووي - من غلاة أعداء إسرائيل، وهذا العداء حتى الآن نظري ولفظي في معظمه لكن إسرائيل تعتبره يشكِّل خطراً حقيقياً على أمنها ووجودها، وقد استثمرته في تأليب المجتمع الدولي ضد إيران وهو أيضاً - أي العداء الإيراني لإسرائيل - عملي وتمثّل ذلك في الدعم المالي العسكري الذي قدمته إيران لحزب الله في لبنان وهو حزب شيعي ولحركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة وهي منظمة سُنيّة. وكان الشيعة في لبنان منذ الأربعينيات هم القوة الثالثة، وكان يأتي قبلهم الموارنة والسنة ولذلك كانت الرئاسة الأولى التي هي رئاسة الجمهورية من نصيب الموارنة وكانت الثانية التي هي رئاسة مجلس الوزراء من نصيب السنة وكان نصيب الشيعة الرئاسة الثالثة التي هي رئاسة مجلس النواب. وفي السنوات أوالعقود الأخيرة ولأسباب منها الحرب الأهلية وانفراد حزب الله بالتصدي العسكري لإسرائيل وهجرة كثير من المسيحيين إلى خارج لبنان ازدادت قوة الطائفة الشيعية التي من أبرز ممثليها حزب الله، الذي أصبح البعض يشبهونه بمنظمة التحرير الفلسطينية خلال وجودها في لبنان سبعينيات القرن الماضي التي كانت توصف بأنها دولة داخل دولة. ومن الواضح أن استمرار الدولة اللبنانية - شأنه في ذلك شأن استمرار أي دولة في العالم - يستلزم اقتصار حمل السلاح على الجيش والشرطة والقوات النظامية الأخرى. لكن الدولة اللبنانية في الوقت الحالي عاجزة عن تحقيق ذلك، وأيضاً فإنه ليس لحزب الله ولا لداعميه ونصرائه وأبرزهم إيران أيّة رغبة في تسليم أسلحته للدولة اللبنانية، وليس حزب الله هو الحزب الوحيد المسلح في لبنان فكل الأحزاب هناك لها مليشياتها وهي جميعاً ليست لديها أيّة رغبة في تسليم أسلحتها لكن حزب الله هو الأقوى وهو الذي تهمه هذه الزيارة التي يقوم بها حالياً الرئيس الإيراني نجاد إلى لبنان أكثر من كل الآخرين. وقد إعتاد الرئيس الإيراني نجاد على إطلاق أكثر التصريحات معاداة لإسرائيل، بل هو يرفض وجودها في هذه المنطقة من العالم وقد دعا من قبل لمحوها من الخريطة وهي تصريحات تجد ترحيباً وهوى من غالبية العرب، خاصة المواطنين العاديين لكنهم لا يذهبون بعيداً مع الأمنيات ومع إمكانية تحقيق وتنفيذ ما يدعو له الرئيس الإيراني إذ مازال في ذاكرة العرب العاديين تصريحات نارية عنترية مماثلة أطلقتها من قبل في الستينيات أجهزة الإعلام المصري وأطلقها سياسيون عرب من أمثال أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورؤساء عرب منهم العراقي صدام حسين، لكن تلك التصريحات تمخضت فولدت إحتلالاً إسرائيلياً عام 67 لأراضي ثلاث دول عربية واحتلالاً أمريكياً للعراق عام 2003م. إن لبنان بلد ضعيف صغير هش والمرتجى ألا يحرجه الرئيس نجاد في زيارته الحالية بأي تصريح أو موقف يستغله الإسرائيليون في إيذائه، فهو أي لبنان، تحمّل من العرب ومن بعض أبنائه ما هو فوق طاقته وجاء الدور الآن لإيران أهم جيران العام العربي - إلى جانب تركيا - لتثبت أن سلامة لبنان على العين والرأس.