{ السياسي الجنوبي المخضرم بونا ملوال وهو يخاطب حشدا بجوبا، يطلق شهادته وكلمته الواثقة لأهله ناصحا إياهم قبل فوات الأوان حيث لا ينفع الندم وقتها، فيقول لهم: (أنا شايف في ناس فرحانين عشان انفصال ودا كلام ما كويس، ديل ناس ما عارفين حاجة، الناس في الشمال بجهزو في الاحتفالات عشان هم دايرين الجنوب انفصل هم شايفين الجنوب دا عبء عليهم دايرين إتخلصوا منه). انتهي حديث بونا والرجل صاحب تجربة سياسية ثرة وأحد أبرز حكماء السودان ويعرف تفاصيل كثيرة عن الجنوب والشمال، من المؤكد أنها تغيب عن القيادات الحالية التي تندفع خلف شعارات ربما تمضي بهم إلى الهلاك والدمار، ولا يحسبون لكل خطوة حسابها وهم يعولون على أجندة أجنبية ومعطيات من خارج الحدود لن تفيدهم بالقدر الذي يأملونه فيها. { الدبلوماسي والكاتب العميق فرانسيس دينق يفسر هرولة الحركة الشعبية في اتجاه الانفصال باختيارها الحل السهل وقد كان زعيمها جون قرنق يعول على السودان الواحد الموحد وهو الطريق الشاق، ولكن ولضعف قيادات الحركة الحالية نجدها تهرب من النظرية السياسية، نظرية السودان الجديد، وتختار الانفصال دون أن تعي التحديات الكبيرة التي تنتظرها في هذا الطريق . ربما أراد فرانسيس دينق القول إن قيادات الحركة الشعبية ليس لها القدرة التي تمكنها من السير في طريق الوحدة وقد هربت منه، وكذلك السير في طريق الانفصال وما يخبئه من مستجدات ربما لا يحسنون التعامل معها بالحنكة والقدرة السياسية المطلوبة . { رجل آخر هو الدكتور لام أكول يبحر في ذات الإتجاه الذي مضى إليه دكتور فرانسيس ومولانا بونا ملوال ويقول بالحرف الواحد إن انفصال الجنوب يعد انتحارا . { وهنا لا بد أن نطرح السؤال الهام: هل القيادات الحالية في الحركة الشعبية تتمتع بالحكمة والحنكة السياسية التي تجعلها تتعامل مع الواقع الماثل بقدر من المسوؤلية التي يمكن أن تجنب البلاد المزالق والجنوب الانهيار الكامل، هل يحسب هؤلاء لكل شيء حسابه أم أنهم (ماشين سيرة) نحو الانفصال وقيام دولة ربما تضيف واحدة الى عدد الدول الفاشلة في العالم والإقليم، وهل تقوم حساباتهم على الوعود الأجنبية أم أن حسابات الواقع الجنوبي بكل أرقامه المزعجة في الحسبان وأن هناك ترتيبات لمواجهة ذلك من أمية تتجاوز ال 80% وبنية تحتية تتراجع إلى ما دون السالب ودولة منغلقة واحتياطات نفطية تزول خلال عقدين من الزمان في دولة تعتمد بنسبة (98%) على الصادرات النفطية في الوقت الذي تتراجع فيه ذات النسبة في الشمال إلى (60%) حيث تدخل موارد عديدة، وفي كل العالم ستزول الاحتياطات خلال (37) عاما مما يدفع بمراكز الأبحاث للبحث عن بدائل أخرى في ظل استهلاك يومي يقفز الى (84) مليون برميل . { هل قيادات الحركة الشعبية تضع في الاعتبار النظرية السياسية والاجتماعية التي تجعل الصراع قائماً وكأنه حتمي وسط المجموعات السكانية، فيتفاعل بين الجهويات (شمال جنوب) وفي داخل الجنوب حينما يتحول الجنوب الى أربعة اتجاهات وذلك عند خروج الشمال من المعادلة الجنوبية فإنه يتحول الى إستوائيين ونيليين ويهبط الى صراع بين القبائل ومن ثم داخل القبائل نفسها وهذا ما تتفرد به القبائل الجنوبية دون غيرها من قبائل الأرض، فغداً الجنوب الجنوبي سيبحث عن شمال جديد بعد خروج شمال السودان وهكذا طبيعة الصراع وسط البشر، فهل لدولة الجنوب المرتقبة جهاز مناعة يقيها شر هذه التحديات الكبيرة القادمة والجهل والفقر والمرض ثالوث مقيم لم تحرك حكومة الجنوب ساكنا تجاهها. { الانفصال ربما يكون أسهل المواجهات في ظل زهد قطاعات واسعة من شعب الشمال فيه، وما عادت الحكومة السودانية وحزبها المؤتمر الوطني في حرج من حدوثه وذلك بسبب تصرفات قيادات الحركة الشعبية واستخباراتها مع شعب الشمال طيلة سنوات الاتفاقية . { أكرر وأردد أن الخطر كل الخطر في الطريقة التي تفكر بها وتتعامل بها قيادات الحركة الشعبية مع تطورات المرحلة الحرجة التي تمر بها بلادنا الآن.