الكتابة اليومية ورطة، ليس للكاتب وحده، بل أيضا للقارئ، الذي يجد يافطات الكتاب تقابله كل يوم، فتصبح هذه اليافطات رتيبة مهما تنوعت المضامين. شخصيا أشفق على القارئ من الملل، والملل يأتي من الشيء الذي اعتاد رؤيته يوميا، صحيح أن الناس تميل لما اعتادت عليه، لكن البعض يهرب مما اعتاده، ويفرح حين يرى قلما جديدا يطل، ووجها مشرقا يضيء .. فيحس أن الدنيا تتجدد، وأن ساحة التعبير والرأي ليست محتكرة لأي شخص. كنت دائما من أنصار الإجازات الإجبارية لكاتبي الصحف، وظل البعض يرى في هذه الدعوة مطالبة بإعطاء الكاتب فرصة للراحة، لكن ما لم يفهمه هؤلاء .. هو أنني قصدت إراحة القارئ من الكاتب، ومحاولة خلق حالة من الشوق يكابدها ذلك القارئ .. حتى يستطيع هضم كاتبه، بعد أن كثرت طلته البهية كل صباح على قارئيه ! أحد الزملاء .. ظل يحس بهذا الأمر، فاختار طريقة خاصة به لكسر ملل القراء من عموده، وهي تغيير صورته كل شهرين، مع الحرص على تغيير مظهره في كل صورة، فمرة بالكرافتة، ومرة بالجلباب والعمامة، ومرة ب (سكسوكة) .. ومرة بدونها، دون أن يمل من ذلك التغيير . زميل آخر قال إنه (يحتجب) أحيانا، لكنه لا يفعل ذلك تفاديا لملل القراء منه، بل يفعله لشعوره بأنه لا يملك ما يقول، فيحتجب، لكن صورته البهية بالصحيفة تبقى حيث هي، وتشير العبارة إلى أنه محتجب، فيكون قد مارس الوجود أمام محبي صورته، ومارس الاحتجاب أمام محبي احتجابه !! وسبق أن ضمتني جلسة مع الأستاذ نبيل غالي، مدير تحرير هذه الصحيفة، وقلت له في حديث ودي إن الاحتجاب يوما واحدا في الأسبوع أمر معتاد، وينتهجه الكثير من الكتاب بمباركة صحفهم، وكانت أجندتي الخفية، هي التلميح بأن من حق القارئ أن (يتفك) من الكاتب ولو ليوم واحد أسبوعيا، لكن مدير التحرير، بذكاء وقاد، وتهذيب عال، فوت الفرصة على أجندتي، وقال إن المعتاد في الصحيفة، هو الإطلالة طوال أيام الأسبوع، إلا في حالات الضرورات .. التي تبيح طبعا المحظورات ! والإجازة الإجبارية لكاتبي الأعمدة، مهمة جدا للقراء، صحيح أن الكاتب يرتاح من الكتابة اليومية لبعض الوقت، لكن تجارب الكثيرين ممن يتوقفون للراحة، أثبتت أنهم يجدون صعوبة في العودة النشطة لأعمدتهم، فهم قد اعتادوا الركض دون توقف، ويبدو أن الراحة تصيب مفاصلهم بالتيبس، لكنهم، على أي حال، ليسوا مهمين كالقراء، فرضاء الكاتب أمر ثانوي قياسا برضاء القارئ، والجريدة تستطيع أن تجد الكثيرين ممن يكتبون، لكنها لا بد أن تبذل جهدا خارقا للحصول على قراء يحافظون على شراء الجريدة ! عليه، أقترح أن يتنادى كاتبو الأعمدة اليومية، لإعطاء القراء إجازات من إطلالاتهم اليومية، حتى يتنفس القراء المصابون بالملل من يافطات الأعمدة الصعداء لبعض الوقت، ليتشعلل الشوق في أفئدتهم .. تجاه الشاطرابي، وتجاه غيره من أصحاب الزوايا اليومية بكل الصحف ! من يصوت معي ؟! { من البريد الأستاذ أبو بكر أنتظر نماذج من المواد التي أشرت لها، حتى أحيلها للصفحة المختصة، مع خالص الشكر.