{ مع اقتراب التصويت للاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، ازداد زخم «الشغل» السياسي للحركة الشعبية وداعميها في الداخل والإقليم والمجتمع الدولي، في أوساط الجنوبيين بمن فيهم أعداء الأمس، وتداعى الجميع لرص الصف وبناء قاعدة جنوبية صلبة لمواجهة الاستحقاق الأخطر في تاريخ السودان الحديث. { وفي هذا السياق كان من الطبيعي أن تتجه الحركة الشعبية نحو المنشقين عنها، ممن كانوا جزءاً منها وخرجوا عليها، والمناوئين لسلطتها ممن اختلفوا معها منذ توقيع اتفاق السلام أو حتى قبله، أي كل خصوم السنوات الماضية، فرتبت للحوار الجنوبي الجنوبي الذي ذهب بالدكتور لام أكول وبونا ملوال «الخصم التقليدي للحركة منذ عهد مؤسسها الراحل د. جون قرنق»، وقادة التمرد العسكري من لدن حركة «كوبرا» وحتى الجنرال «أطور» إلى جوبا، والجلوس إلى زعيم الحركة سلفاكير وكبار مساعديه، وعقدوا الاجتماعات وقتل المجتمعون القضايا الشائكة بحثاً وخرجوا باتفاقات و»صفقات» أخطرها إعادة تشكيل حكومة الجنوب بعد الاستفتاء. وهدفت الحركة من كل هذه الترتيبات إلى الجلوس مع مناوئيها على طاولة الحوار لتجفيف منابع التوتر قبيل إجراء الاستفتاء وتهيئة المناخ لعملية تصويت خالية من الاضطرابات «يعني حكومة استقلال عديل». { غير أن الحركة ضربت ضربة معلم في حقل التكتيك السياسي، استبقت بها الحوار «الجنوبي الجنوبي» وبالتنسيق مع جنوبيي المؤتمر الوطني بإعلان (15) قيادياً من الحزب الشريك انسلاخهم منه، والانضمام للحركة الشعبية ل»مواجهة تحديات المرحلة» كما قال الجنرال «ألسون مناني مقايا» وبذا تكون الحركة الشعبية دخلت ملعب السياسة بتكتيكات جديدة اتسقت مع رؤى القادة الجنوبيين ممن كانوا أعضاء فاعلين في المؤتمر الوطني الذين قالوا أيضاً «إن مبررات بقائنا في المؤتمر الوطني انتفت»، وبما أن ذلك كذلك فلا غرابة في أن يتجه قادة الحزب الشريك «من الجنوبيين» جنوباً والارتماء في أحضان الحركة الشعبية التي تحتاج في المرحلة المقبلة «اسم الدلع للانفصال» إلى خبرات أبناء الجنوب ممن عملوا طويلا تحت عباءات أحزاب الشمال ومن بينها الحزب الشريك وخبروا آلياتها وصناعة تكتيكاتها. { وما يحدث سياسياً في الجنوب هذه الأيام درس بليغ لمن يريد أن يعتبر من دروس السياسة والتاريخ، درس بسيط مفاده أن آليات «الخم»، وبناء المظلات الفارغة من أي محتوى ومضمون، والتحشيد المجاني، لم تعد تجدي نفعاً في السياسة ولو استمرت لأكثر من عشرين عاماً هذه هي السنوات التي قضاها «ألسون مناني» ورفاقه في المؤتمر الوطني وبالتالي على مخططي السياسات في المؤتمر الوطني إن كان ثمة مخططي سياسات فيه أن يعيدوا النظر في آلياتهم وتكتيكاتهم التي أنفقوا فيها السنوات والأموال ومنحوا المناصب ولم يحصدوا شيئاً (من يزرع الريح يحصد الحصرم) كما علمنا المثل البليغ.