دخلت حركة تحرير السودان «جناح مناوي» في أزمة جديدة من الأزمات التي ظلت تعاني منها الحركات الدارفورية، التي عانت منذ تأسيسها وبدايات الأزمة الدارفورية من آفة الانقسامات، التي تشمل أشهر محطاتها مؤتمر (حسكنيتة)، الذي عصف بوحدة الحركة وأدى الى انقسامها ما بين مني مناوي، وعبد الواحد نور، وبعدها قام مناوي بتوقيع (أبوجا)، والى أن دخلت الاتفاقية عامها الأخير وفشلت في تنفيذ بنودها بسبب الخلافات الداخلية في الحركة وسوء التفاهم بين قيادتها والحزب الحاكم، ما ترتب عليه تجميد نشاط قائدها من رئاسة الحركة والمجلس القيادي وتكوين مجلس سياسي عسكري مؤقت لإدارة شؤون الحركة لحين انعقاد المؤتمر الاستثنائي. وفي بيان لها تلقت (الأهرام اليوم) نسخة منه قالت الحركة إن الخطوة جاءت لضرورة الإصلاح وبهدف النهوض من مآلات التدهور التنظيمي والسياسي الناتج من سوء إدارة مؤسسات الحركة. ووصف البيان طريقة إدارة الحركة بالتسلطية والآحادية فضلاً عن إفراغ المؤسسات التنفيذية والتشريعية من مضامينها؛ الأمر الذي عطل أجهزة الحركة. ورفضت الحركة في بيانها ما وصفته بتخبط مناوي وسياساته في إدارة عملية السلام ومؤسسات الحركة، وقالت إنه ظل يعمل على تغييب مؤسسات الحركة التنفيذية والرقابية فضلاً عن انفراده بصناعة واتخاذ وتنفيذ القرارات، وإدارة الحركة خارج الأطر التنظيمية الواردة في النظام الأساسي، إضافةً الى سوء إدارته لأموال الحركة وعدم توظيفها وصرفها خارج مصالح الحركة وكذا رفضه تقديم التقارير المالية طيلة فترة إدارته وتهربه من سداد المديونيات مخالفاً بذلك النظم واللوائح المالية. وفي سياق تعليقه على تجميد نشاط مناوي من رئاسة الحركة والمجلس القيادي قال مساعد رئيس حركة تحرير السودان للشؤون السياسية، علي حسين دوسة، ل(الأهرام اليوم) إن خطوة تجميد نشاط مناوي جاءت لانفراده بالقرار وتعطيله كل مؤسسات الحركة واتخاذه قراراً بالعودة الى الحرب. وأضاف دوسة أن من بين الأسباب التي أدت للخطوة هي نقل مناوي لجنود الحركة دون إذن مؤسسات الحركة الى جهات خارج دارفور، فضلاً عن محاولته الزج بالحركة في أغراض خاصة وحرب جديدة، إضافةً الى عقده تحالفات مع قوى لم توقع اتفاقيات وتصرفه في أموال الحركة وكأنها ماله الخاص. وقال دوسة إن من بين الأسباب هي إهماله لأُسر الشهداء واللاجئين والنازحين، إضافةً الى عدم سعيه في تسديد ديون الحركة. وأوضح دوسة أن القرار جاء لتجنيب دارفور دورة جديدة من الحرب والدماء والكوارث. ودعا دوسة أعضاء الحركة للانتفاضة التنظيمية، وكشف عن بدايتهم في المشاورات والترتيبات لتشكيل مجلس ثوري أعلى للحركة يضم سياسيين وعسكريين يتولي أمر قيادة الحركة الى حين قيام المؤتمر العام الذي ينتخب قيادة جديدة للحركة، مؤكداً أنهم مع السلام العادل، داعيا الحكومة الى تنفيذ ما تبقى من (أبوجا). وكان مناوي قد غادر الخرطوم قبل أكثر من شهر صوب (جوبا)، وقبل سفره رشحت شائعة مفادها أن الرجل فرضت عليه السلطات في الخرطوم الإقامة الجبرية، إلا أن تلك الشائعة أصبحت أكذوبة حينما غادر الرجل الخرطوم في خطوة فاجأت الجميع، وبدأ الحديث عن إمكانية عودة مناوي الى مربع الحرب مرة أخرى. ولم يقف الحديث عند هذا الحد بل امتد الى حدوث انقلاب داخل حركة تحرير السودان بسبب بعض المواقف الانفرادية التي ظل يتخذها رئيس الحركة مناوي. ومن قبل قام رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي الذي تم تجميد نشاطه مؤخراً بإصدار قرار بإعفاء اثنين من مساعديه وهما: مساعد رئيس الحركة لشؤون التنظيم والإدارة مبارك حامد علي (دربين)، ومساعد رئيس الحركة للشؤون السياسية علي حسين دوسة، علي الرغم من أن الرجلين كانا من المقربين له. رئيس الحركة، بحسب مصادر من داخل الحركة، برر أسباب أعفاء الرجلين من مواقعهما بأنهما لم يلتزما بالخط العام للحركة وخرجا عن نظامها؛ الأمر الذي أدى الى أن تسارع المجموعة الداعية لخيار السلام باتخاذ هذه الخطوة. زيارة مناوي الأخيرة التي قام بها الى الميدان في شهر يونيو الماضي ورافقته فيها (الأهرام اليوم) لمنطقة (أبو ليحا) كان المعلم الأبرز في تفاصيلها هو الحديث الذي ظل يردده لقواته عن استعداده للحرب، وكانت أحاديثه تحمل إشارات واضحة بأن الرجل قد نفد صبره ولم يستطع أن يحتمل أكثر من ذلك، الشيء الذي يحمل في طياته بعض تفسيرات انقسام المكتب السياسي والقيادات العسكرية الميدانية لحركة تحرير السودان الى مجموعتين، بوجود مجموعة تساند عملية السلام وتسعى الى تنفيذ (أبوجا)، ومجموعة أخرى تساند رئيس الحركة وتدعم الاتجاه الداعي لاستئناف الحرب مرة أخرى بسبب تعنت (الوطني) ورفضه تنفيذ الاتفاقية. مصادر مطلعة أفادت (الأهرام اليوم) بأن المجموعة التي تقف مع خيار السلام ترغب في التنسيق مع المؤتمر الوطني وإجراء إصلاحات جذرية في السلطة الانتقالية، والمجموعة الأخرى التي تسعى للحرب، التي يتزعمها رئيس الحركة، اتجهت جنوباً بغية التحالف مع الحركة الشعبية، وبعد قيام الاستفتاء وفي حالة الانفصال يتم إعلان الحرب وإدارتها من دولة الجنوب الحديثة. ويؤكد المصدر أن معظم قيادات الحركة السياسية والعسكرية الذين يقفون مع مناوي الآن يوجدون بحاضرة الجنوب. المكاتب السياسية والعسكرية للحركة كذلك في كلٍ من: (الفاشر، نيالاوالجنينة) انشقت الى مجموعتين؛ إحداهما تقف مع خيار السلام والعمل على تنفيذ (أبوجا) ومجموعة أخرى تساند الموقف الداعي الى إعلان الحرب. وأكدت مصادر (الأهرام اليوم) أن جميع قوات الحركة الذين يساندون مناوي قاموا بالانسحاب من (الفاشر، الجنينة، نيالاوالخرطوم) الى الميدان. أحد قيادات الحركة فضّل حجب اسمه أكد ل(الأهرام اليوم) أن المجموعة التي اختارت خيار السلام والسير في تنفيذ (أبوجا) مع المؤتمر الوطني هي المجموعة الأقوى. وفي ذات السياق أكدت مصادر (الأهرام اليوم) أن أحد القيادات البارزة المحسوبة على مجموعة (مناوي) قام بفصل معظم كوادر الحركة المناوئة من السلطة الانتقالية، ومن الذين تم فصلهم قيادات بارزة في الحركة وفي قطاع الطلاب والشباب. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه الى أكثر من ذلك؛ حيث قام المسؤول الرفيع بتهديد جميع الموظفين الذين يقفون ضد (مناوي) بالفصل من وظائفهم التي يتمتعون بها في السلطة الانتقالية. يذكر أن الأزمات التي تحدث في حركة تحرير السودان بقيادة مناوي اتضحت معالمها بعد أن اتخذ (62) قائداً سياسياً وعسكرياً قراراً بتجميد نشاط الرجل الأول في الحركة، ومن أبرز القادة الذين اتخذوا القرار: رئيس مجلس التحرير الثوري عيسي بحر الدين، مساعد الرئيس لشؤون التنظيم والإدارة مبارك حامد علي (دربين)، مساعد الرئيس للشؤون السياسية علي حسين دوسة، مساعد الرئيس لشؤون الشباب والطلاب الفاضل التجاني بشير، الناطق الرسمي ذو النون سليمان، قائد عام استخبارات الحركة حسن صالح نهار، الناطق الرسمي لجيش الحركة محمد حامد دربين وغيرهم من القيادات السياسية والعسكرية. وفي الضفة المقابلة وصف المجلس القيادي للحركة «المجموعة التي تساند مناوي»، البيان الصادر بإقالة مني أركو مناوي وتجميد نشاطه من رئاسة الحركة والمجلس القيادي، وصفه بالمشبوه. ووجّه نائب رئيس الحركة، د. الريح محمود جمعة، في بيان صادر عنه أمس الأول (الخميس)، اتهاماً للأفراد الذين يقفون خلف البيان بأنهم لديهم أطماعاً وأهدافاً ذاتية ضيّقة ويعبّرون عن فكر انتهازي للتغوّل على مكتسبات الحركة وسرقتها. وأشار الريح إلى أن مناوي هو رئيس الحركة وقائدها الأعلى وأنه شخصية اعتبارية ودستورية لا تستطيع أية جهة أن تغيّره أو تتعرض له أو تجمد عمله إلا عبر إجراءات من خلال المؤسسات التشريعية والتنفيذية. ومنح نائب مناوي، الريح محمود، القيادات التي صدر باسمها بيان التجميد، مهلة قدرها (48) ساعة لتوضيح مواقفهم قبل اتخاذ إجراءات حاسمة في مواجهتهم. وفي ذات السياق تسلمت (الأهرام اليوم) بياناً من مكتب المرأة بحركة تحرير السودان يصف بيان التجميد بالتطور الخطير الذي يفتح الباب أمام ضعاف النفوس لسد الطريق أمام تكملة سلام دارفور. وجدد بيان المرأة وقوفها خلف قائدها مناوي بحسب عبارات البيان الذي حمل توقيع بثينة عبد الله محمد وحواء عبد الله سيمان وحليمة يوسف آدم الطاهر وأخريات. إذن، غادر مناوي الى (جوبا) وتمّ تجميد نشاطه من قبل كوادره، ولم تبارح (أبوجا) مكانها، وتظل كل دوائر الخيارات متَّسعة على أكملها بشأن القادم في مشهد الأفق الدارفوري بالغ التعقيد.