"بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    الجيش السوداني: كادوقلي تصد هجوم متمردي الحركة الشعبية    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    المتّهم الخطير اعترف..السلطات في السودان تكشف خيوط الجريمة الغامضة    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    فيكم من يحفظ (السر)؟    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرسان المسيرية.. ودموع الحزن على تقسيم الوطن الحلم

منذ أن غادر المستعمر البغيض بلادنا وحمل عصاه ورحل في منتصف الخمسينيات، ترك لنا أرضاً شاسعة مساحتها مليون ميل مربع، وكان بالسودان في بداية الحكم الوطني عدد قليل من المديريات لا تتعدى أصابع اليدين الاثنين، ومساحة كردفان في ذلك الزمن تعادل أو تساوى مساحة فرنسا. رسموا الحدود الفاصلة لكل مديرية حتى لا تختلط السلطات وتتجاوز ربوع حكمها وإدارتها وحتى لا تنشب بين القبائل الحروب والنزاعات واستعانوا برجالات الإدارة الأهلية في توطيد الاستقرار والأمن وكان لهم دورهم الرائد والكبير في حفظ كيان ومصير الدولة، وحتى النزاع القائم الآن في منطقة أبيي فيما يختص بحدودها الجغرافية ولمن تتبع حتى حدود هذه المنطقة تم ترسيمها في العام 1956م أي أن حدود هذه البقعة من الوطن ظلت تحتفظ برقعتها الجغرافية وبحدودها المعلومة والمعروفة لدى الجميع ووفقاً للخرائط والوثائق المودعة لدى جهات الاختصاص. وقد ظلت منذ قديم الزمان منطقة تسامح وتلاقح وتلاقي وانصهار بين قبائل المسيرية ودينكا نوق وكان لرجاحة عقل رجل الإدارة الأهلية والمتحدث البارع، والحكيم اللبق بابو نمر ولسماحة وهدوء ورزانة السلطان مجوك القدح المعلى في أن تظل هذه القبائل وخلال عقود من الزمان تنعم بالاستقرار والإخاء والتفاهم العميق.
ومنطقة أبيي مثل غيرها من مناطق السودان كان يمكنها أن تظل هادئة ووادعة بأهلها وسكانها لولا اتفاقية نيفاشا وظهور البترول بها.. والاستفتاء في حق تقرير المصير، وبالرغم من الإدعاء والأخبار التي تتحدث عن أن 80% من ترسيم الحدود قد تم فيها خلال الخرائط والأوراق إلا أن الأمر على الطبيعة يبدو عسيراً وشاقاً ولم تستطع كافة المحاولات والمباحثات واللقاءات أن تحل هذه العقدة حتى الاجتماعات التي عُقدت بالجارة إثيوبيا لهذا الأمر لم تصل إلى هدفها ومبتغاها مما يؤكد صعوبة بل واستحالة وصول الطرفين إلى حل يرضي الجميع وفي مقدمتهم أصحاب الوجعة الحقيقية، وأعني بهم سكان المنطقة من المسيرية ودينكا نوك.
ودعاة الانفصال من الحركة الشعبية يرون بأن ترسيم الحدود يمكن أن يكون بعد الاستفتاء في يناير القادم ولكن! أي صاحب عقل وبصيرة لا يمكنه أن يؤيد هذا الطرح والذي لا يتماشى مع المنطق والعقل، وهو طرح يقود بالطبع إلى المواجهة وإشتعال المنطقة.
إن حل ترسيم الحدود في منطقة أبيي يكمن في الرجوع إلى المستندات والوثائق والتي تم وضعها منذ العام 1956م والتي أوضحت بصورة لا غموض فيها الحدود بين كافة مديريات السودان في ذلك الوقت وأبناء المسيرية وهم على صهوات جيادهم أقسموا بأنهم لن يفرِّطوا في ذرة واحدة من أرض الآباء والجدود ودون ذلك الغالي والنفيس.
وإذا تركنا قضية أبيي جانباً وهي كما ذكرت من ضمن مستحقات اتفاقية السلام الشامل وعادت بنا الذاكرة إلى الماضي القريب والذي ظلّ محفوراً في قلوبنا بكل آيات المحبة والإحترام، فإن هذا الوطن الشاسع والذي في حجم قارة كنا نباهي به ونفاخر وكأنه انشودة عذبة المقاطع أو لوحة مزدانة بكل أنواع الجمال، ومليئة بالتقاسيم، كنا نقول وبفرح طفولي ساحة السودان مليون ميل مربع يعتبر الدولة الثالثة بعد كندا واستراليا من حيث جودة التربة وخصوبتها يشق أحشاءه أعذب الأنهار في العالم، به أكثر من 500 قبيلة تتحدث أكثر من 200 لهجة. تمرح في سهوله ووجدانه ثروة حيوانية ضخمة تقدّر بالملايين. أرضه الصالحة للزراعة200 مليون فدان. المستثمر منها أقل من 20%. به محمية للحيونات البرية لا يوجد مثيل لها في إفريقيا. به قبائل وأعراق مختلفة ومتعددة امتزجت مع بعضها البعض فكوّنت هذه السحنة الرائعة والذكية بين ربوعه وأصقاعه ثقافات مختلفة وعادات متنوعة، فكانت هذه اللوحة النادرة والصورة الزاهية، إن نصف وزننا كان اعتدادنا بأنفسنا وكبريائنا، والنصف الآخر شموخ بالانتماء لهذه الأرض الطيبة. وكلما تسارعت الأيام وتقاربت خطى الزمن يأخذنا التفكير بعيداً إلى مساحات التأمل وشواطئ الإبحار وبراري القلق والإشفاق على هذا الوطن الجميل والذي ظلّ منذ المولد والنشأة يسكن تحت الجلد ويزغرد بين الحنايا والضلوع، كنا نقول وطن حدادي مدادي يسع الجميع من نمولي إلى حلفا ومن الجنينة إلى طوكر..
وبينما دول العالم المتقدم والمتحضر تتجه إلى الانصهار في بوتقة الوحدة.. حتى العملة المتداولة بينها هي لكافة دول الكتلة حتى المواقف في كافة القضايا والمشروعات يتم التشاور والتنسيق فيها ولا أحد يخرج عن الإجماع. البضائع تنساب بينهم بسهولة حتى القطارات تمتد خطوطها عبر السهول والوديان والأنهار.. العالم بأجمعة تتجه أنظاره وبوصلته نحو التكتل والوحدة لأنها الأبقى والأفضل لحياة الشعوب ورفاهيتها كل أنظار الشعب السوداني تتجه إلى شهر يناير في العام القادم حيث مولد الاستفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان، وبالصدق كله إن كل هذه الأنظار كان يحدوها الرجاء في أن تكون الوحدة هي الخيار الغالب لأنها كانت السند القوي.. والحائط الذي نتكئ عليه في عاديات الزمن، والجسر الذي نعبر به شمالاً وجنوباً إلى آفاق أرحب ترفرف في سماواتها المحبة والإخاء والسلام. وستظل المخاوف في المستقبل لهذا الوطن مرهونة بهذا الاستفتاء والذي استبق عدد كبير من قادة الحركة الشعبية مجيئه حيث قاموا بتهيئة ذهنية عقيمة وعرجاء لإنسان الجنوب البسيط وشحنوا أفكاره بروح الانفصال بل وهيّأوا المسرح له حتى يكون جاهزاً ومقنعاً لهم..
وفات على هؤلاء الصقور والذين تحركهم أيادٍ خفية وجهات أجنبية تطمع في ثروات الجنوب وإمكانياته الهائلة، فات عليهم أن الانفصال لن يكون كما يتوهمون. وكل الذي نخشاه ونخاف منه أن نسمع طبول الحرب ودوي المدافع وغبار الجيوش الذي يغطي الأفق ويسد الفضاء الواسع، وبعدها تصبح أرض الجنوب صيداً سهلاً ومباحاً ومتاحاً لجميع الدول التي تقف حجر عثرة أمام الوحدة والوئام بين أبناء الشعب الواحد.
كاذب ومنافق من يدعي أنه لا يحزن إذا وقع الانفصال والحزن والأسى هو ببساطة أننا سنفقد ثلث مساحة الوطن ويعود إلى أحراش الجنوب وغاباته أكثر من ثلاثة ملايين شخص تقاسموا معنا حتى لقمة الخبز الجاف، كانوا في الشمال حضوراً مشهوداً ووجوداً لا تخطئه العين بل هناك من إتجه إلى أقصى الشمال وبعض منهم سحرته مضارب الشرق وآخرون تمتعوا بالصحبة والصداقة مع إخوانهم في الجزيرة والخرطوم، وهناك من يصيبه الإحباط لأن منقو زمبيري ما عاد ذلك التوأم الذي نباهي به ونفاخراً لقد انفصل منقو وصار شخصاً يعيش تحت ظل دولة أخرى لها علمها الخاص وسلامها الوطني وعملتها النقدية التي تتعامل بها مع الآخرين..
ما أقسى أن تتقلص مساحة الوطن وأن تتآكل أطرافه، وأن تنقص أبعاده وأن يغيب ثلثه بسبب ثلة من أبنائه صادروا الفكر والعقل ولم يحترموا عيون ومشاعر البسطاء من أبناء الجنوب وانحازوا بكل صلف وغرور لمصالحهم الشخصية، وما أقبح الرجل عندما ينحاز لمنفعته الذاتية ودون أن يضع في حسابه وشائج الانتماء وعرى الإلتزام المغموسة في قارورة الإحساس بالولاء والحب لهذا الوطن الحلم.
معظم أفراد القوات المسلحة أن لم يكن كلهم ضباطاً وجنوداً لهم في أرض الجنوب مواقف ومشاهد وذكريات وتضحيات وبانفصاله سيفقدون جزءاً عزيزاً من الوطن ظلوا حماته وحداته عبر سنوات طويلة سطروا خلالها أروع صفحات الجسارة والبطولة والرجولة، وستكون ملامحهم الأكثر حزناً وألماً وما أقسى الفراق يحمل معه الأرض والزرع والإنسان!.
{ بعض الرحيق..
بداياته كانت هناك في سنار المحروسة.. هناك تفتحت مواهبه وقويَ عوده واشتد ساعده.. يتحدث بصوت خفيض يتعامل بصدق مع الآخرين وهو صاحب موهبة وباع طويل في دنيا الثقافة والآداب والفنون، ظل مساهماً بقلمه وفكره الوثّاب في العديد من الاصدارات الأدبية والثقافية.
قبل عدة أشهر احتفلت به منظمة أروقة للفنون والآداب واتحاد الكٍُتّاب والأدباء بقاعة المصارف، كان الاحتفال رائعاً وزاهياً مثل قامة ذاك الرجل، وقد شهد المناسبة الأخ الوزير المثقف السموأل خلف الله. لجنة التكريم طالبت الدولة بمنحه داراً تأويه وأسرته الصغيرة وحمل تلك الرغبة الصادقة وزير الثقافة للسيد رئيس الجمهورية والذي لم يتوان في إصدار قرار يتم بموجه منحه تلك الدار..
ولنا أن نتساءل وبملء الفم ماهي الجهة التي تستخف بالقرارات الجمهورية وتحاول أن تقلّل من شأنها؟! نأمل من الجهات المختصة في إدارة المتابعة لقرارات رئيس الجمهورية أن تقوم اليوم وقبل الغد بتسليم مفاتيح هذه الدار للأخ الأستاذ نبيل غالي الذي كرّمه رئيس الجمهورية وذلك بمنحه هذه الدار والتي نأمل أن تكون وريفة وواسعة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.