يفر قلبي من أضلعي، حين أحس بأنني سأتأخر على الصحيفة، وأن عمود (تحت الغيم) لن يأتي في مواعيد مبكرة ! هي (عقدة قديمة) .. لا أعرف كيف نشأت، لكن هناك أشياء اكتشفتها لاحقا، بل وعشت تفاصيلها الكابوسية، جعلتني أجد العذر لسكرتارية التحرير، حين تلاحقني وغيري من المتلكئين لتطلب الإسراع بكتابة العمود، فيفر القلب المحبوس بين الأضلع، وتطير الأفكار الدخانية التي كنت أحاول لملمتها للزاوية ! التفاصيل الكابوسية .. تتمثل في ضغوط هائلة تتحملها طواقم التحرير التنفيذية .. وتكتوي بنيرانها في كل الصحف، جراء سيف الزمن المسلط على الأعناق. كل جريدة ناجحة .. لا تبلغ النجاح فقط لأن مضامينها حلوة وجاذبة، فهناك قواعد أخرى كثيرة للعبة .. لعبة النجاح طبعا، من أهمها .. أن تصل الصحيفة للمطبعة في المواعيد المحددة، لأن المطابع في العادة تكون مرتبطة ببرنامج عمل منظم .. ومحدد بالساعة والدقيقة، لأنها تطبع أكثر من صحيفة، ولا يجب أن تتغول صحيفة على وقت صحيفة أخرى ! والوصول المتأخر للمطبعة، تكون نتيجته إما عدم الطباعة، أو الطباعة في بقية الزمن المحدد لحصة الجريدة، دون التزام بتسليم كل الكميات المطلوبة في أمر الطباعة، وهذا يعني أن المطبعة تتوقف في نهاية الزمن المتاح لكل صحيفة .. سواء اكتملت النسخ المطبوعة أم لم تكتمل، وكل ذلك ينعكس طبعا على المطروح من الجريدة المتأخرة في السوق، فلا تجد المنافذ التسويقية حاجتها الفعلية منها، فتصاب بالحرج مع زبائنها، خصوصا المواظبين منهم على شراء صحيفتهم دون انقطاع. والتأخير قد يجر لطباعة الجريدة في الزمن الضائع، أي في وقت متأخر جدا، وهذا يغيظ شركات التوزيع ، فالصحيفة التي تصل للتوزيع متأخرة .. تصل أيضا لأكشاك البيع متأخرة .. كما تفوتها الرحلات الباكرة لوسائل النقل، وهي الوسائل التي تنقل الصحيفة لأرجاء الوطن، فيضيع العائد المادي المهم، سواء للصحيفة، أو للموزع، ويضطر القارئ الذي لا يجد صحيفته المفضلة .. إلى الإحجام عن الشراء، أو الاتجاه لصحيفة أخرى بتلقائية ودون تردد !! والصحف طبعا تدفع رواتب لطواقمها، كما تفي بالتزاماتها تجاه المعلنين، وتقتطع من مواردها تكاليف الانتاج الباهظة، بدءا من الإيجارات التي تدفعها لمقارها، مرورا بتكاليف الطباعة والكهرباء والماء والخدمات الداخلية وخدمات الترحيل، وانتهاء بالأجهزة التقنية وما تتطلبه من متابعة وصيانة وتجديد وخلاف ذلك. وهذه الالتزامات لا تأتي بالبركة، لكنها تأتي باستمرار وصول الصحيفة بانتظام، وفي مواعيد محددة لأيدي قارئيها، ووصول خدمتها الصحفية، وموادها الإعلانية المدفوعة لأكبر شريحة من القراء، لكي يستمر دولاب العمل بدورانه. كل هذه الأشياء .. تجعل الصحف في حالة توتر، لأن عنصر الزمن لا يرحم، فيتم التشديد لإنتاج الجريدة في الزمن المحدد، وتلبس أقسام المتابعة إزار الحرب، ولا تترك متلكئا مثلي يهنأ بالتلكؤ، أو يمارس النوم هانئا .. في العسل ! يرعبني تأخر (تحت الغيم) لأي سبب، ولذلك أسعى قدر الإمكان لكتابة العمود قبل ساعات كافية من موعد تصميم الصفحات، تفاديا للاتصالات الحازمة واللحوحة، ومنعا لزلزال التأخر، وهزاته الارتدادية التي لا ترحم المتلكئين، من أمثال صويحبكم !