كثيرون ما انفكوا يعبرون بالصوت العالي عن توجسهم خيفة من احتمال وقوع فوضى أمنية مدمرة في الجنوب، وأخرى مماثلة في الشمال، وذلك خلال إجراء الاستفتاء في الجنوب، واستفتاء الجنوبيين القاطنين في الشمال بوجه عام، وفي العاصمة القومية بوجه خاص. وبلا شك أن الفوضى المحتملة في الجنوب، إضافة إلى أحواله المضطربة حالياً؛ إنما تقع مسؤولية كبحها على حكومة الجنوب وجيشها الذي أضحى مسلحاً بأسلحة حديثة من حر عائدات نصيبها من النفط أو كما قالوا، وفي مقدمة جيشها سلاح طيران على أعلى مستوى من التدريب ويمكن استخدام أسلحته الحديثة في ضرب أهدافه وفق توجيهات قادته. وهكذا يمكن القول إن امتلاك الجنوب لجيش قوي ومسلح بأسلحة حديثة؛ لم يكن ذلك على سبيل المباهاة، وإنما للاستعداد ل «يوم كريهة» إذا ادلهمّ خطبها، والحفاظ على دولة الجنوب التي من المحتمل أن تطلق صيحة ميلادها الأولى على إثر إعلان نتيجة الاستفتاء، ومن الاحتمالات الواردة في الجنوب تصاعد حرب القبائل الجنوبية الجنوبية، وهنا يتدفق سيل النزوح الرهيب إلى الشمال. أما في ما يتعلق بتوجس أهل الشمال؛ فهو أن تندلع فوق أرضهم فوضى مجنونة وعمياء كسابقاتها، وكانت أخراها الأحداث الدموية التي جرت إثر إشاعة مقتل د. جون قرنق. ومنشأ هذا التوجس ليس فقط هو الوجود الجنوبي الكثيف الذي يحيط بالعاصمة القومية الخرطوم إحاطة السوار بالمعصم، وإنما أيضاً لدخول عناصر بينهم تملك الأسلحة كالكلاشنكوف وغيره، وتتاجر في بيعها، هذا مع ارتفاع معدل جرائم القتل، وانتحال شخصية الانتماء إلى قوات نظامية وتغلغل عصابات النيقرز التي لا تتورع عن قتل الآخر سواء أبالسلاح أم بالحجارة التي يجيدون تصويبها إلى الهدف بمهارة مذهلة، وهي حقيقة لا يعرفها إلا من رآها رأي العين على عكس ما يتصور كثيرون من أقطاب السياسة. وبالطبع هناك في الشمال السوداني والعاصمة القومية من الجنوبيين مَن يقف مع وحدة السودان، ومن يؤمن بالانفصال، ويخطئ من يظن أن هذا الخلاف بين الطرفين لن يؤدي إلى صدام، وبخروجه إلى الشارع بأسواقه ومواصلاته وأزقته ومدارسه؛ قد يتعاظم الأمر إلى الحد الذي لا يخطر على بال، أو يتصوره خيال، ومما يدعو للتوجس أيضاً هذه الأعداد الكبيرة من الوافدين من مختلف الدول الأفريقية حولنا، وليس لهم من مصادر الرزق الحلال ما يذكر، وهم في ما يبدو جلياً يجدون في السودان ما يقيم أودهم بشكل أو بآخر. وهناك التحول الكبير الذي حدث في العاصمة القومية خلال العقد الأخير من عمران وتطاول في البناء وحراك تنموي على مستوى التجارة والخدمات وغيرهما، هذا مع هذا الاكتظاظ الهائل للسيارات الخاصة والعامة إلى حد لا يتجاهله إلا غافل لا يرى الأشياء على أرض الواقع كما هي. ورغم كل هذا وغيره يرى الكثيرون أن القوات النظامية المسؤولة دستورياً عن حماية الوطن: أرضاً، بحراً وجواً، لقادرة تماماً، كما تثبت ذلك تجارب الماضي، على مواجهة كل الاحتمالات وحسمها حتى لا يصبح السودان (صومالاً) آخر، ذلك أن السودان القوي بغالب أهله الذين لا ينتمون لغير ترابه رغم فقرهم المادي، وكذلك السودان الغني بموارده الطبيعية الهائلة، هذا السودان يستحيل أن يصبح (صومالاً) آخر. ولكن مع ذلك وتفادياً لأي عواقب ضارة وإن صغرت، إلا أنه أليس من الضرورة بمكان أن يتم خلال الاستفتاء إعلان حظر التجول في العاصمة وبعض مدن الشمال؟ وكما في علم الطب تقول القاعدة إن الوقاية خير من العلاج، كذلك حتى الناس العاديين يعرفون أن القانون يسعى إلى كشف ووقف الجريمة قبل وقوعها، وهذا معناه أن الوقاية خير من العلاج. في كلمات { في مثل هذه الظروف المعيشية الصعبة هل يمكن لسياسة التقشف التي بدأت تطل برأسها أن تمر بسلام؟ إذن فإن الطريق إلى ذلك لا بد أن يبدأ من قمة الهرم وتصحيح كل الأخطاء التي أشار إليها التقرير السنوي للمراجع العام. وإلى جانب ذلك فرض ضرائب تصاعدية على أصحاب الدخول الكبيرة سواء أفي القطاع العام أم الخاص، وأن يذهب كل ذلك لصالح الفقراء والمعاشيين الذين دفعوا عمرهم كله في حقل الخدمة العامة، وفي أيامهم الأخيرة تظلم الدنيا في عيونهم وهم الشموع التي كانت تضيء طرقاتها. أما الحل الحقيقي فهو التنمية والإنتاج وزيادة الإنتاج والتوزيع العادل لثمرات الجهد والعرق. { سمعت في الأسبوع الماضي عبر القناة الرئيسية خبراً يشير إلى اكتشافات معدنية كبيرة في كل من دارفور وكردفان وانتهى الأمر عند هذا الحد. وحسب متابعتي لفضائيات العالم فإن مثل هذا الحدث إذا جرى في أية دولة في الدنيا لاحتل مكان الصدارة ولانطلق إعلامها يلقي مزيداً الضوء بما في ذلك مواقع الاستكشاف واستطلاع أهل التخصص والناس العاديين ولكن شيئاً من ذلك لا يحدث في السودان. { ما كنت أتصور أن لاعب فريق الموردة الرياضي سليمان المحينة الذي كان أحد نجوم زمانه وفرسانه، قد لقي كل هذا الإهمال من الوسط الرياضي ومن القائمين على أمر الرياضة ممن كانوا في ذلك الزمان في رحم الغيب، وكان الرياضي لا يدخل جيبه مليم واحد من أية جهة كانت. فلقد كان سليمان المحينة لاعباً ماهراً وشهيراً ومسهماً في ترقية كرة القدم، ومن هنا أكتب هذه السطور العجلى على أمل أن تتحرك الجهات المعنية نحوه، وتقف على أحواله ولا تبخل عليه بتكريم يستحقه عن جدارة، وفاء لما بذله من عطاء على مدى سنوات طوال، وهو الآن في خريف العمر، أسبغ الله عليه نعمة العافية.