عضو المجلس السيادي د.نوارة أبو محمد محمد طاهر تلتقي رئيس الوزراء    كامل إدريس يقف على مجمل الأوضاع بمطارات السودان    معارك ضارية ب (بابنوسة) والدعم السريع تقترب من تحرير الفرقة 22    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    مسؤول بهيئة النظافة يصدم مواطني الخرطوم    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: التقديم الالكتروني (الموحّد) للتشكيل الوزاري    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    كامل إدريس وبيع "الحبال بلا بقر"    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفرصة الأخيرة ... كيفية إنتزاع الحل من فم الشيطان ... بقلم: احمد أبوبكر علي أبوبكر
نشر في سودانيل يوم 14 - 08 - 2010

قبل قرابة الاسبوع قرر السيد المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق مهندس محمد عطا رفع الرقابة عن الصحف المحلية لاسباب سماها بانتفاء الدوافع والاسباب الداعية لذلك . بالمقابل ، امس الاول ، اعلنت الحكومة السودانية عن تعليق ترخيص البث لهيئة الاذاعة البريطانية باللغة العربية في شمال السودان ، بعد ان اتهمتها بمحاولة ادخال معدات بث عن طريق حقيبة دبلوماسية والعمل في جنوب السودان دون اذن من السلطات المركزية. وكأن الحكومة فقط اعادت توجيه حملاتها المعادية للاعلام ، ولكن هذه المرة على الوسائل الاجنبية بدلا عن المحلية . ولا اعلم صراحة ما الحكمة من وراء ذلك ، ولم في هذا التوقيت بالذات .
شهد شهر أغسطس العديد من التحركات المشابهه من قبل الحكومة ، التي زادت من مقدار التوتر الموجود أصلا بين الخرطوم والمجتمع الدولي ، ودون أن تحقق أي عوائد واضحة على الأصعدة الأخرى بالمقابل ، بشكل يثير الريبة . ردت الحكومة بعد يوم واحد على تمديد مجلس الامن تفويضه لقوات حفظ السلام التابعة له ، والموجودة في دارفور ، وحثه واستجدائه العلني للخرطوم للكف عن اعاقة عملها ، بأن فرضت قيودا جديدة على حركة القوات ، بعد ان صرحت جد جادة (على لسان رويترز – اول آب اغسطس ) بانها ستراقبها كن كثب . وفي السابع من نفس الشهر ، تناقلت وكالات الانباء ( على رأسها بي بي سي و رويترز ) أخبار منع الخرطوم منظمات الإغاثة الدولية من دخول مخيم "كلمة" وقرية بلال في دارفور، عقب مقتل خمسة أشخاص وفرار الآلاف من النازحين بعد اشتباكات بين مناصرين لعملية السلام ومعارضين لها ، في الوقت الذي سمى فيه مصدر أممي آخر الوضع "بأنه لا يزال خطيرا" ! ، ولو ان الحكومة اعقبت بالنفي . الأغرب أن هذا النهج من التصعيد ليس مربوطا بسياسات التعامل مع المستجدات السريعة ، لتترك لنا خيار وصفها بأنها مجرد ربكة ناجمة عن إستعجال . بلا سابق موعد خرج لنا البشير بتحذير علني لا معنى له غير إثارة المزيد من الغبار في الجو المحتقن أصلا ، عندما "توعد الأجانب بالطرد إذا لم يحترموا الحكومة " ، وهي المعلومة الوحيدة التي لا تحتاج الحكومة لأن تتوعد بشأنها ، خصوصا أن الكل يعلم انها "فعلا" قبل مدة قصيرة قد طردت عدد مقدر من المنظمات الإنسانية الدولية ، بكامل طواقمهما المكون من "مئات الأجانب" !!
في النهاية كانت المحصلة طبيعية ، عندما ابقت الخارجية الأمريكية السودان على رأس الدول الراعية للإرهاب ، في بيانها مؤخرا . ربما نعم والحق هنا يقال ، لا يبدو السودان انه يدعم أو يؤوي أي جماعات ارهابية من النوع الذي لا يروق الأمريكان ، ولكن السياسة أخذ ورد ، وواشنطن تتعامل مع الخرطوم بمنطق الجزرة بخصوص هذه القائمة تحديدا . الحقيقة أن مشاعر الريبة التي كانت حاضرة بذهني ، تحولت الى دهشة عندما قرأت ما جاء في نهاية البيان على لسان الجانب السوداني "بأنه يشعر بخيبة أمل أن تعاونه الكبير لم يؤد الى رفع اسمه من القائمة" !
الحكومة اليوم على بعد خمسة أشهر فقط من الاستفتاء. ومنذ خمس سنوات والى الآن لا يبدو ان الحال تغير في الجنوب بالشكل الذي سيجعل من الوحدة "خيارا جاذبا" او كما يقولون . وقد بات الوقت متأخرا جدا على المحاولة لإعادة إحياء هذا الخيار بالطرق القديمة .
صقور الحركة الشعبية اليوم يلعبون بأوراق مكشوفة ، ومنذ الآن يستثمرون وقتهم في إنتزاع تصريحات الاعتراف بدولة الجنوب ودعمها من أفواه جبابرة السياسة في العالم . "الإنفصال هو الخيار" باتو يقولونها علنا .
الواقع الآن بيّن وواضح، إذ أن أي محاولة متسرعة لضخ الأموال للجنوب لتحسين الأوضاع ، لن يحفظ للمؤتمر الوطني ماء وجهه أمام الجنوبيين . لقد أثبت المؤتمر الوطني عدم جديته منذ إتفاق نيفاشا بصدد مزاعمه بأنه سيجعل من الوحده هي الخيار الأنسب للجميع ( فعلا لا قولا ) ، أو لنقل يبدو الأمر كذلك الآن ، للأغلبية إن لم يكن الكل .
وفي ظل هذا الجو الذي يروج للانفصال من قبل قادة الحركة الشعبية ، يمكن أن تفهم أي محاولات للمؤتمر الوطني من هذه الشاكلة على انها ( فرفرة مذبوح ) طامع في أرض الجنوب ، لا في رضى شعبه
أضف الى ذلك ، يجب أن لا يغفل المؤتمر الوطني عن حقيقة أن الأنفصال بات خيار متوقع الحدوث (وبشدة ) . وعليه من الآن أن يبدأ في توفير ما في خزائنه من أموال استعدادا لمرحلة غير قصيرة من الترنح وعدم التوازن الإقتصادي التي سيمر بها السودان الشمالي إذا فقد ذلك القدر المعلوم من مساهمات نفط الجنوب في حصالة الميزانية. لخص عبد الرحيم حمدي وزير المالية الأسبق هذه النقطه بشكل واضح ، في معرض رده على سؤال عن الآثار الإقتصادية المتوقع أن يمر بها الشمال حال اختار الجنوبيون الانفصال بقوله: " الآثار على المالية العامة ستكون كارثية، لأن مالية الدولة مبنية على البترول بنسبة 50%، .... الشمال سينتهي إلى أنه يدير بيروقراطية عسكرية ومدنية هائلة جداً بلا موارد، والميزانية ستكون كارثة ، والدراسات التي أجريناها قبل الأزمة الاقتصادية العالمية وقدمنا نتائجها للحكومة، أبانت أن البترول معظمه سيمضي الى الجنوب إذا وقع إنفصال " ( الراي العام 20 – 6 – 2009 ) .
محاولة كسب قلوب الجنوبيين الآن ، في ظل وجود هذه التحركات الانفصالية العلنية من قبل الحركة الشعبية ، سيكون كالنفخ في الهواء ، وسيؤدي الى "لا شيء" غير كونه مضيعة -لا تغتفر- للزمن غير المتوفر أصلا .

قد يبدو لك المخرج الذي ساذكره غريبا مطلع الأمر . كما انه الطريق الوحيد الذي لا يبدو أن الخرطوم تحاول سلكه الآن بالنظر الى تصرفاتها الحالية . ولكن رغم ذلك وبعد أن تمحص فيه معي جيدا ستجد أنه بالفعل اكثر الخيارات القابلة للتنفيذ جدوى . وفيه يتوجب على الحكومة منذ اللحظة أن تركز كل جهودها وتحركاتها باتجاه هدف واحد ، وهو "أن تجعل من الوحدة هي الخيار المحبب للأمريكان انفسهم ، وللمجتمع الدولي عموما".
ومن هنا سيبرز سؤالين مهمين يجب الاجابة عليهما بدقة ، قبل أن نستطيع التعامل مع هذا الخيار بجدية . ماهي المنطلقات التي يمكن أن تجعل من التحركات الدولية عموما والأمريكية خصوصا ، تصب بأتجاه دعم الوحدة ؟ ، ولو أن السؤال الأكثر حساسية سيكون ، هل بمقدرة الخرطوم أن تحدث هذا التحول أصلا؟
ساستهل تعقيبي بمحاول الاجابة عن السؤال الثاني أولا . إذ أظنك تتفق معي في أن اي نتيجة سليبة سنصل اليها بصدده ، تعني عدم الحاجة لمحاولة الأجابة عن السؤال الذي يسبقه .
الحقيقة برأيي والتي تثبتها الوقائع ، أن المؤتمر الوطني بات من النوع الذي يجيد جيدا ألعاب تغيير الجلد وذلك منذ المفاصلة الشهيرة. أو لنقل منذ أن تحول المشروع الإسلامي من كونه مسألة حياة أو موت ، الى كونه كاريزما تحببه للجماهير يتمسك بها المؤتمر في أوقات كثيرة ، ولكن ما أن تحين الأزمة ، ويدنو الغرق ، سرعان ما تصبح من المتاع الذي يستسهل رميه في البحر طلبا للنجاة . وهو الأمر الذي بدا جليا بتضحيتها بالأب الروحي للفكرة أساسا .
المرونة العالية ، والتعاون الكبير الذي أبداه المؤتمر الوطني مع الإدارة الأمريكية بعد إعلان بوش الإبن حربه المعلومة على ما أسماه "الإرهاب" ، وهي المعنية بصريح اللغة ب "الإسلام المتشدد" ، و بإعتراف الأمريكيين أنفسهم مثال يدلل على إجادة سياسات المؤتمر الوطني لهذا الدور. وهو شي لن تستسهله أو تقلل منه إطلاقا إذا وضعت في ذهنك الصورة التي كان عليها السودان قبل ذلك الحين . فلقد وصل الأمر قبلها الى أن يتعرض مصنع للأدوية بقلب العاصمة القومية للقصف والتدمير بدعوى انه يصنع أسلحة كيميائية !! . وإذا أمعنت النظر في هذا التبرير ، ستجده من نفس نوعية المبررات الغبية التي صمّت بها الولايات المتحدة الآذان ، وهي تجتاح العراق متشدقة بأن لديها معلومات استخبارية مؤكدة بأن صدام يمتلك أسلحة دمار شامل . وفي النهاية ، وفي كلا الحالتين تبين كذب الإدعاء !!. دع إليك أن بن لادن نفسه بلحمه شحمه كان يجول في الأراضي السودانية تحت ضيافة الخرطوم نفسها ، في حين ليس ببعيد قبل عودته الى أفغانستان ليفعل فلعته الرهيبة تلك .
إذا كان ذلك ليس كافيا لك لتقتنع بأن المؤتمر الوطني حرباء حقيقية . يمكنك الرجوع للوراء قليلا ، والنظر الى الاحداث التي سبقت الانتخابات ، وكيف جعل المؤتمر الجميع يصدق قبل أن يحتج علنًا على مبعوث اوباما لمراقبة الانتخابات بأنه منحاز تماما للمؤتمر الوطني ويروج لسياساته !! ، اذكر مقالا قرأته لاحد الكتاب في ذلك الوقت ، أظنه يصور تماما كيف كان الوضع حينها ، حين عنونه بقوله :" اسكوت غرايشون: امين التعبئة للوطني هذه الايام" .
عطفا على ما سبق ، أظن أن الخرطوم بحكومتها الحالية قادرة تماما على أن تحدث تحولا سريعا وملحوظا في نظرة الجميع إليها ، ولكن فقط إن هي نفسها أرادت ذلك . وإذا تجنبنا العموميات فإني أعني بحديثي الولايات المتحدة خصوصا ، بإعتبارها أكثر الأطراف تأثيرا وتدخلا في وإهتماما بالشأن السوداني الآن ومنذ اتفاقية نيفاشا. وهذا يفتح لنا الدرب واسعا لنتحرك لمحاولة الإجابة عن السؤال التالي الأهم أصلا .
قد يبدو استهلالا أن الإجابة عن السؤال الثاني ستكون شائكة أكثر ، إذ كيف يمكن أن تصبح وحدة البلاد هي الخيار المحبب للولايات المتحدة ، وهي الشيطان الأكبر نفسه !؟ وكيف يمكن لحدوث ذلك اساسا أن يصب في مصلحة القضية ؟!
ولكن الواقع أن الإجابة أسهل من ذلك . إذا أعدنا توجيه أنظارنا نحو سر إهتمام أمريكا بالسودان حاليا بموازين المصالح فقط وهي الشي الوحيد السائد أصلا .
أمريكا متخوفة من المؤتمر الوطني ، باعتبار انه قد يشكل نواة لحكومة إسلامية معادية لسياساتها ومثيرة للمتاعب ، أخري في المنطقة . دعمها لاتفاقية نيفاشا جاء ليشل للمؤتمر الوطني يدا ، بعد أن إنتزع منه50% من السلطة ، بل وإن دعمها للحركة الشعبية بعد ذلك لتكون شريك في الحكم جاء ليجعل منها ضامن أكيد لعدم إعادة أسلمة القطر ، وليمنع أي محاولة لإعادة إنعاش المشروع الإسلامي الراقد على الأرض حاليا . والأمر ليس سرا .
إن امعنت النظر وبتأنٍ في نوعية الملفات التي باتت الحركة الشعبية تجادل وتتجادل بشأنها وكأنها مصيرية ، ستخلص معي الى نفس النتيجة . جون قرنق كان ينادي بمشروع سودان جديد ، تكون فيه التنمية على طول البلاد متكافئة ، مع الإهتمام طبعا بالجنوب لانه ظلم أكثر من غيره في الفترات السابقة نظرا لكونه الأرض التي إستضافت الحرب الأطول على طول افريقيا وعرضها ، وهو شي كان فيه محقا ، كما أنه كان يصب تماما في مصلحة الجنوبيين عموما . مما جعل المفاوضات في قضايا توزيع الموارد والسلطة شائكا جدا في نيفاشا . يمر الوقت ويرحل قونق ، لتتبدل المواقف والأولويات بصورة غريبة ومحيره . الإثنين قبل الماضي على لسان الشرق الأوسط ، كشفت مصادر سودانية مطلعة أن الحركة الشعبية ستطرح على الحزب الحاكم مشروعا لوحدة طوعية مقابل التنازل عن التشريعات الإسلامية !! فقط !! .
الشي الثابت اليوم أن الحركة الشعبية باتت مجرد أداة تحركها أمريكا . ولن ألومهم على ذلك . طموحات قادة الحركة بأن تكون لهم دولتهم الخاصة في هذا الوقت يجعل من المتوجب عليهم أن يبدؤوا بصنع بعض التحالفات مع بعض الدول العظمي لتساعدهم ، وذلك حتى تستطيع دولة الجنوب الوقوف على قدمين . وفي هذا الوقت الذي لا يملكون فيه الكثير ، يكون "كل شي" هو الثمن المطلوب تقديمه لأمريكا . ومن هذا المنطلق ، يتكشف أن الحبل الصحيح الواجب على الحكومة شده الآن ، هو رأس الحية الولايات المتحدة.
الشي الذي يبشر حقيقة بوجود منطقة وسط يمكن للحكومة أن تحاول جر الجميع اليها ، أن الإنفصال بذاته لن يحقق للأمريكان كل ما يتمنونه. من المحتمل جدا أن تجر قضايا حساسة ، من نوعية ترسيم الحدود ، والديون الخارجية ، والنزاع حول المناطق الثلاث ، اذا لم تحل قبل الأستفتاء السودان الى الحرب جديدة . إذا وضعنا في البال أن الحركة الشعبية الآن تمتلك جيش منظم وأكثر تكاملا ، يفوق ذلك الذي كان يقوده جرنق تطورا بمراحل ، يمكنك تخيل مقدار الحريق الذي سيشب في المنطقة. صومال جديدة بحجم دولة كالسودان يعني أن الحريق لن ينجو منه أحد . وهو لا محالة سيمتد الى جميع الدول المجاورة التي تشاركنا حدود سهلة القفز .
هذا اسوأ كابوس يمكن للولايات المتحدة أن تتخيله . ولن تغامر أبدا أمريكا بأن تصنع بيديها عش جديد تنمو فيه جماعات اسلامية جهادية متشددة كارهه لأمريكا . لأنها تعلم انه حينها لن تستطيع السيطرة على الوضع ، ومهما تبذل من جهد. كل ما تريد إدارة أوباما أن تصل اليه ، يتلخص في محاولة الموازنة بين طرفي العصا قدر الإمكان . فلا هي تريد حكومة اسلامية متشددة "يصعب التعامل معها سياسيا" ، ولا هي تريد منطقة مشتعلة تضيف هموم جديدة لرزنامة الهموم التي ترزح برأسها الآن. بتبسيط أكثر ، لا تريد أن ترى إيران جديدة هنا ، كما لا تريد أن تصنع صومال جديدة أيضا بالمقابل. وهذه بالضبط هي المنطقة الوسط التي أشرت اليها ، والتي يتوجب على الخرطوم الآن أن تحاول جر جميع الأطراف اليها.
يتوجب البدء من حيث بدأت سطوري هذه ، بأن تسعى الخرطوم لتبييض وجهها قليلا أمام المجتمع الدولي ، يجب أن تغير من أسلوب خطابها التعبوي والتصعيدي غير المبرر. أو لنقل ، لتحاول العمل بصمت على الأقل ، وعلى وجهها أبتسامة تشرح الصدور. يجب منذ الآن أن تبدا بالتفكير في تنازلات يمكن أن تدفع بالعملية للأمام ، حتى ولو كانت تضمر التراجع عنها لاحقا ، عقب الخروج من عنق الزجاجة يناير القادم . يمكن الإستفادة من المبادرة المطروحة من قبل الحركة الشعبية أيضا بدون التخلي عن الشريعة الاسلامية ، إذا عدلت الحكومة قليلا من اسلوب تفكيرها ، إذ يمكن مثلا إعادة طرح النظام الاسلامي على انه خيار حكم مدني ، متى ما اختاره الشماليون أو الجنوبيون يطبق عليهم ، ومتى وما اختاروا غيره ، كان لهم . مثله مثل النظام الفرنسي ، والانجليزي وغيره . بهذه الطريقة وفي هذا الوقت وعطفا على أن الغالبية في الشمال مسلمة ، سيكون النظامي الاسلامي سائدا ، وللحركة او غيرها ان تسعى اذا ارادت أن تقنع الشماليين بأن يبدلوه الى اي نظام آخر كان علماني او فرنسي أو فرعوني حتى !. والعكس أيضا يصح بالنسبة للجنوب.
قد تبدو تحركات بهذا الشكل على انها تنازلات ، غير أنها ليست كذلك إذا تأملنا في مضمونها. وهي قد تكون كافية لكسب التعاطف والثقة الذي تحتاجهما الحكومة لتجعل من المجتمع الدولي كرت داعم للوحدة بعد أن تقتنع بجدواها ، وقد تكون أيضا غير كافية . في كل الأحوال يجب على الخرطوم التحرك بهذا الإتجاه الآن . وأن تحاول أن تبتكر تحركات جديدة أخرى تكسبها المزيد من النقاط في هذا الزمن بدل الضائع.
هذا كله سيصب المزيد من الضغط على قادة الحركة الشعبية ، واستمرارها بعد ذلك في الدعوة للانفصال سيفقدها المصداقية والتعاطف الدولي ، وبالتالي الكثير من الدعم الذي تهنأ به الآن . وهذا سيكون كافيا جدا ليعيد الحركة الى طاولة المساومات من جديد .
الزمن بات ضيقا بشكل مزعج لا يدعو للتفاؤل . أتمنى بصدق أن يجد قادة المؤتمر الوطني العصى السحرية الآن وبسرعة ليبدؤوا بتصحيح الأمور قبل أن يحين موعد جرد الحساب بداية العام القادم. و حينها لا أتمنى أن يكون الثمن الذي سندفعه باهظا.
احمد أبوبكر علي أبوبكر - جامعة الخرطوم ، كلية الطب
Ahmaad Abubakr [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.