{ نصيحة قديمة، قرأتها يوماً في مكان ما، وظللت أحتفظ بها طويلاً بين أوراقي، تقول: «كُن مبذراً في الحب، فهو الكنز الوحيد الذي لا ينضب مهما غرفت منه، ويتكاثر بالقسمة، وهو الهدية الوحيدة التي يختلف على قيمتها وأهميتها اثنان، والتجارة الوحيدة التي تزدهر وتنمو بالتبذير، لذلك أعط الآخرين الحب وأفرغ جيوبك منه، اطرحه هنا وهناك، وفي أي مكان وكل وقت، وستصحو غداً وقد امتلأت حباً كالأول وأكثر». { إن الإحساس الحقيقي بالحب المجرد أهم من الدنيا بما فيها، وأسعد الناس كما يرى أحد الفلاسفة هو من يوصل السعادة إلى أكبر عدد ممكن من الناس. ومن أجمل العبارات التي قالها (ألبرت آينشتاين) صاحب نظرية النسبية، هي هذه الكلمات: «إنني أذكّر نفسي في اليوم مائة مرة، بأن حياتي في الداخل والخارج تعتمد على جهود الآخرين، أمواتاً كانوا أم أحياء، وأنه ينبغي ألا أدخر وسعاً لأبذل من نفسي بقدر ما آخذ من الغير. والإنسان القادر على الحب يملك كل شيء، وإن كان لا يملك شيئاً، في حين يعيش العاجز عن الحب وحيداً، وإن كان يملك أموال الدنيا». { والحب الصحيح هو أن تعطي من دون أن تنتظر المقابل. يكفيك الإحساس بالسرور، لإدخالك إياه على كل من حولك أو بعضهم. وما يغدو أكثر قيمة عندما يتقدم بنا العمر هو ذلك القدر الذي بادرنا به من الحب في وقت مبكر، فحتى أبناؤنا تتسع دائرة برهم بنا بمقدار الحب الذي منحناهم إياه وعلمناه لهم، فلا يكفي أن نعتمد على الحب كغريزة، لأن الغريزة وحدها قد لا تكون كافية لمنح الآخرين إحساساً صادقاً بحبنا لهم، فبينما تعتبر الأمومة أعرق وأصدق غريزة إنسانية؛ فهناك أمهات لا يعرفن كيف يمنحن الحب أو يمارسن أمومتهن كما يجب، فتأتي أمومتهن بنتائج عكسية هي الكثير من الأسى والحزن والخوف والإحباط داخل الأبناء. { إذن، السعادة الحقيقية هي أن تمنح الآخرين سعادة ومحبة ولا تنتظر المقابل المادي أو المعنوي، وعندما لا ننتظر أمراً يأتي حصاده أجمل مما هو متوقع، فتكون راحة البال والسعادة التي تسكننا كوننا راضين عن أنفسنا وعن ما نقدمه؛ أبعد أثراً مما نظن. كما أن العطاء عن قناعة ورضا يجعلك متصالحاً مع ذاتك لا تشعر بالحنق أو الغيرة أو الإرغام، وهي في الأصل مشاعر تجلب الأذى للنفس لتجعلك في حالة من الكدر والضيق والعصبية وربما الإحساس بالدونية والظلم لأنك اضطررت لهذا العطاء. فدعونا نستمتع بالمحبة ما أمكن. وكلمة الحب تخرج من إطارها الضيق والمتداول على أنها علاقة ما تجمع رجلاً بامرأة لتشمل محبة جميع الناس، أهلنا وأصدقاءنا وزملاءنا في العمل وجيراننا، وهي علاقة تحتمل إحساسنا تجاه الأماكن والأشياء والاهتمامات، وتبرز في كل الملامح بدءاً بالابتسامة والكلمة الطيبة والتعاون وتقديم الخدمات المتاحة ومد يد العون والمساعدة وصلة الرحم والتجرد والإيثار والعمل بصدق وضمير، وحتى الصبر على الأذى. { وكما يقول الإنجليز: «ليست القوة ولا المنصب ولا المال ولا الشهرة، بل الحب والعطف والرحمة وضحك الأطفال ودفء الصداقة وشذا العطاء وموسيقى البذل، ما يشكل جوهر الحياة». هي إذن دعوة للحب والمحبة والتوادد والرحمة والتبسم والرضا والقناعة، وكل هذا موجود دائماً في تفاصيل ديننا الحنيف، وقبلها علينا أن نتذكر دائماً أن الحياة مهما طالت قصيرة، وأن العمر لحظة، أو رحلة لا نعرف توقيت نهايتها، ويوماً ما حين نغادر هذه الفانية لن يبقى وراءنا إلا الأثر الطيب والذكرى الحميدة، وفي هذا العصر الممحوق المتسارع يتحول «بيت العزاء» بعد لحظات إلى ناد للسمر والونسة وقد نسيك الجميع، فاجعل اللحظات القليلة التي تخطر فيها على بال الآخرين محفوفة بالدعاء لك والمواقف النبيلة التي تُحكى عنك قبل أن يعودوا لسمرهم في هذه الدنيا الغرور. { تلويح: يضيع كل شيء بفعل ضغوط الحياة، ويبقى الحب. فكن قادراً على محبة الآخرين، تحب نفسك وتكن أسعد الناس.