٭ تشكو صديقتي لطوب الأرض من زوجها النكدي العبوس، ورغم أنني ضد مبدأ الشكوى طالما لا زالت متمسكة بالحياة معه؛ فإنني أرى أن أسبابها منطقية تتعارض مع حاجتها الإنسانية للمودة والرحمة والسكن، ولكن المشكلة الأساسية أنني أتهمها بالمبالغة، ولا أرى في زوجها شيئاً مما تصفه به، فهو على النقيض رجل بشوش واجتماعي ولطيف المعشر، أحاديثه لا تمل واستقباله لنا بالغ الحفاوة والابتسام! فهل المشكلة في صديقتي أم في رؤيتي للأشياء؟! ٭ وهل بإمكان الإنسان أن يكون على هذا القدر من النفاق والقدرة الفائقة على التلوّن وفقاً لحاجته وظروفه؟! وكيف لامرأة ما أن ترتضي زوجاً عطوفاً وطيباً ومتفهماً مع كل الناس خارج البيت بينما هو متجبر ومتسلط ونكدي داخله؟! إنهم رجال بوجهين ولسانين، إيجابي وسلبي، تماماً كذبذبات الكهرباء وبعضهم تحديداً كالتوتر العالي، وإذا شكت الزوجة من ذلك اتهمها البعض بالتجني، فهم لا يرون ما تراه، والقناع الذي يرتديه زوجها خارج البيت لا يستطيع أن يبقى به طويلاً داخله فهو كإنسان ينهكه هذا التمثيل ويحتاج إلى هدنة، وقد لا يكون الأمر تمثيلاً ويكون الزوج فعلياً في حالة من البهجة والأريحية خارج البيت ويشعر بالضيق والكدر داخله، وهذا غالباً تعود أسبابه للزوجة وطبيعتها وسياستها في التعامل معه، وحتى فكرتها عن الزواج والحياة والزوجية عموماً، وهذا ما نجد فيه العذر لهذا الزوج المسكين الذي لا يرى شيئاً جميلاً ليملأ روحه جمالاً، فيتحول إلى كائن صامت وعابس ومنزو يحسب الدقائق حتى يتسنى له الهرب من جحيم المنزل المتمثل في الزوجة البائسة غير الحكيمة. ٭ ولكن أحياناً يكون الزوج من أولئك الذين يعتقدون أن سياسة العبوس والنكد والإرهاب من ضروريات الرجولة والأبوة، ويرى في ممازحة أهل بيته وتهلل أساريره معهم أو ملاعبة أبنائه انتقاصاً من قدره وسلطانه، وهي مشكلة نفسية قد تعود جذورها إلى طفولته المبكرة ونموذج الأب الذي شبّ عليه، وكثيراً ما يتمتع الزوج بقدر من العلم والثقافة يجعله واعياً لهذا الخطأ الفادح، ومدركاً لمدى التعاسة التي كابدها في طفولته من نموذج الوالد النكدي، وبدلاً من أن يسعى في اتجاه اتخاذ سياسة مختلفة عما عايشه مع زوجته وأبنائه؛ نجده لا شعورياً يكرر ذات المشهد المأساوي ويتخذ ذات السياسة التي أبكته يوماً وبالتفصيل. ٭ إن من حق الزوجة أن يعاملها زوجها هي وأبناءها معاملة كريمة، كما أنه من حقه أن يتمتع ويستمتع بعلاقاته وصداقاته خارج منزل الزوجية في حدود المعقول، وليكن سعيداً مبتهجاً مع أهله وأصدقائه؛ على ألا يتحول بيته وأهله إلى كبش للمحرقة يفرغ فيهم طاقاته ومشاعره السلبية، فهم الأولى بحسن صحبته ومعاشرته وهم الأحوج إلى إحساس الأمان والراحة في وجوده بدل أن يتحول البيت إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار بمجرد وصول الزوج أو الأب إلى رحابه، فينزوي كل واحد في اتجاه ولا مجال للحوار الودود أو التواصل، لتتحول العلاقات إلى غربة ووحدة وخوف ويتحول الرجل من مصدر للأمان والحماية والمساندة إلى وحش آدمي يثير الذعر في النفوس وهو يمشي مختالاً وكأنه بطل قومي، حتى إذا ما خرج إلى الشارع تعالت ضحكاته لتتحول النظرة المرعوبة في عيون أهل بيته إلى اندهاش وحيرة، ليبدأ اتهامه فعلياً بأنه يعاني من انفصام في الشخصية! ٭تلويح: كن نكدياً.. تعش وحيداً وتمت دون أن يبكيك أحد!