الموقع الإلكتروني للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إنجاز يستحق وهو إسهام مقدر في نقل التاريخ العربي المعاصر أو جزء كبير منه من خانة الكلام الشفوي إلى خانة التوثيق الرقمي الحديث الذي فرصه في البقاء أقوى كثيراً من فرص التوثيق الورقي. وقامت ببناء الموقع مؤسسة جمال عبد الناصر ومكتبة الاسكندرية وفيه تجد بالتفصيل غير الممل خُطب عبد الناصر، وصوره، أفلامه التسجيلية، ومقالات صديقه الصحافي الضخم الأستاذ محمد حسنين هيكل، وجلسات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي، وقرارات مجلس الثورة، ومحاضر جلسات مجلس الوزراء، والمجموعة الكاملة من الوثائق الخاصة بالمكاتبات والمراسلات الرسمية بين مصر وكل من بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية. ويحتوي الموقع على العديد من الوثائق السمعية والبصرية التي تتضمن 51.512 صورة فوتوغرافية و1.124 بورتريه و1.359 خطبة مسموعة ومقروءة ومرئية و1.209من الأفلام التسجيلية والثائقية، بالإضافة إلى مجموعة عبد الناصر والثقافة التي تضم الفنون التشكيلية والتطبيقية وأغاني الثورة والقصائد الشعرية ومؤلفات عبد الناصر. والحقيقة أن عبد الناصر لم يكن زعيماً كاتباً مثل الرئيس التشيكي فاتسلاف هافل ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل وحتى تشرشل فإن في كتابته قولين إذ تردد أن صديقه الصحافي بيفربروك كان يساعده أحياناً سواء في الأفكار أو الصياغة. ولكن كان عبد الناصر من فئة الزعماء الذين يكتب لهم الآخرون خطبهم وكما قلنا من قبل فإنه ليس من ذلك ما ينتقص من الزعامة. فالمطلوب من الحاكم أكثر من أي شيء آخر هو الإنجاز والعدل والارتقاء بالمجتمع والمحافظة على وحدة وسلامة التراب الوطن. وكانت مؤلفات عبد الناصر هي «فلسفة الثورة» و«الميثاق» وقد كتبهما وكتب خطبه الأستاذ هيكل. ويقول المصريون «الحلو ما يكملش» أي أن الأشياء مهما يكن من أمر حلاوتها إلا أنها تفتقر إلى الكمال، والموقع الإلكتروني للرئيس عبد الناصر عمل ممتاز مفيد ممتع لكنه للأسف بدأ بكذبة. ففي مقدمته نقرأ الآتي نصه: «جمال عبد الناصر قائد ثورة يوليو عام 52 ويعتبر أول رئيس جمهورية مصري منتخب للبلاد بعد حكم الملك فاروق» وواضح أن الأستاذ هيكل كان هو المسؤول عن هذه الصياغة؟! والحقيقة أن جمال عبد الناصر كان فعلاً هو قائد ثورة يوليو 1952ولكنه لم يصبح رئيساً بالانتخاب حيث هناك أكثر من مرشح وإنما أصبح رئيساً بالاستفتاء حيث هناك مرشح واحد وهو عبد الناصر. ثم أنه لم يكن أول رئيس جمهورية مصري، وإنما كان أول رئيس مصري هو اللواء أركان حرب محمد نجيب. وكان الأستاذ هيكل يكره اللواء نجيب مثلما كان يكره الرئيسين المصري السادات والسوداني جعفر نميري. لكن المسؤولية الكبرى في تكريس كذبة أن عبد الناصر كان أول رئيس جمهورية مصري، ترجع لعبد الناصر نفسه الذي سمح أيام كان رئيساً بتداولها في أجهزة الإعلام وفي مناهج وزارة التربية والتعليم.