وما نملكه من حسن اختيار لأبنائنا لا يكمن فقط في قوائم الوجبات الغذائية غالية الثمن أو أكبر سلة للفاكهة أو أفضل المدارس التي تنطق بلغات أخرى! أو حتى الملاهي ذات الألعاب الدائرية والبرامج الترفيهية. إن خيارنا الأفضل والأسمى هو تحصينهم بقدر المستطاع من الأمراض التي يمكن تداركها بالرعاية الما قبلية، وهي تختصر في العادات الصحية والجرعات التحصينية المنتظمة والتنشيطية. فبحكم أمومتي - وقلقي المستمر - المتداخلة بخطوط اهتمام مسبق بكل ما يتعلق بصحة الأطفال، ثم اهتمام لاحق ببرامج إدارة التحصين الموسَّع بوزارة الصحة الأتحادية، أجدني أنفق وقتاً مستمراً بالحديث عن هذا الأمر المهم جداً لعدم تسليط الضوء عليه بشكل موسع يتفق مع الجهد الكبير المبذول من قبل العاملين عليه والمتطوعين فيه، إن كان على المستوى الرسمي أو الشعبي بين الناس، فرغم اجتهاد إدارة برنامج التحصين الموسع في خلق شراكات فاعلة مع الأجهزة الإعلامية بجانب الشركات ومنظمات المجتمع المدني والمصانع وحتى نجوم المجتمع، لتضمين مفهوم التطعيم داخل النشاط اليومي في حياتنا باعتباره فعل حياة ونظام صحي يغني - إلى حد كبير - من تقليل المخاطر الصحية التي يتعرض لها الأطفال؛ ولمحاولة سحب المفاهيم الخاطئة في معتقداتنا الثقافية أو الإثنية حيال التطعيم، وإدخال الحقائق والنصائح التي يسعى التحصين إلى تمليكها وتثبيتها بين الناس والمجتمع؛ رغم كل ذلك إلا أن أمر النشاط الدوري لكثير من حملات الإدارة يجد نوعاً من الإهمال الإعلامي نظير ما نجده من تغطيات لأتفه البرامج التي يطلق عليها ثقافية، وهي لا تتعدى الغناء في أصلها! أو افتتاحات المطاعم ومحلات الأزياء ولعب الأطفال! ولا شك الثرثرة الفارغة في مواضيع النساء والرجال والجمال! ولأن أمر التثقيف الصحي وبالأخص التحصين لا يدخل ضمن حسابات إدارات الإنتاج للربح والزيادة الإعلانية بالنسبة لنسب المشاهدة الأعلى في برامج الإذاعات والفضائيات، وبشكل أكثر صراحة لأن إعلامنا لا يحفل بالأساسيات الأولى للرسالة الإعلامية ويتنحى عنها، ليبقي على هامش الأرباح فقط بأن يكون ترفيهياً وتجارياً فقط ! أمّا مسائل التوعية والتوجيه والتثقيف.. الخ، فإنها (ثقيلة) الهضم على معدة المشاهد العادي والإدارة غير العادية! والعادي أن نسمع عبر الإذاعة القومية حديثاًَ متعلقاً بأمر التحصين ككل، وفي برامجها الأقرب إلى نوعية التوعية الأسرية والصحية، لكن ليس من العادي أن نتابع ذات المادة أو ما يقابلها في شاشة التلفزيون القومي أو قناة النيل الأزرق، باعتبارهما القناتين التابعتين بشكل رسمي للدولة، وبما أن العمل اتحادي - كما ينص الدستور - فإن التوجه إليهما أساسي لضمان التغطية لمعظم الولايات التي لا بديل لها عنهما، ورغم الاتفاق على وجود تلك المواد ضمن البرنامج العام إلا أنه بالتأكيد لا يكون في الزمن الممتاز المتروك لتشغله البرامج السياسية الكبيرة والثرثرة الفنية الكثيرة، أو يمكن أن يتاح في ذاك الزمن لكن بنسبة مالية قد تتخطى 50% باعتباره دعماً مقدّراً لبرامج التحصين - بحسب معلوماتي - لهذا فإن نسبة حصول الفرد على المعلومة المصاحبة للحملات من النوافذ الإعلامية تساوي صفراً إذا قورنت نسبياًَ بالجهود الضخمة المبذولة لتلك الغاية، فقد سمعت احتجاجات الأمهات في حيِّنا عن الحملة الأخيرة لشلل الأطفال، حيث أنها قامت بفارق زمني قصير من آخر حملة للتطعيم ضد الحصبة، وقد نجحت السيدات المتطوعات في تحسين صورة الجرعة بأنها مختلفة ببساطة التبرير (دي نقطة في الخشم وديك حقنة في اليد!) وانتهى الجدل المثار، بنجاح الحملة الأخيرة لشلل الطفال وبإعلامنا شفاهياً بأنه ستكون هناك واحدة أخرى في الشهر القادم بإذن الله. (برنامج التحصين الموسع قد أعلن السودان خالياً من شلل الأطفال منذ العام 2008 والإجراءات المتبعة تفيد باستمرارية الجرعات التنشيطية لما بعد ثلاث سنوات لرفع المناعة لدى الأطفال ما دون سن الخامسة، وللقضاء على أي احتمال لوفود الفيروس من خارج البلاد.). إن مجرد برنامج قصير تثقيفي عن خدمات التحصين وبشكل مستمر وفي الوقت الممتاز والناجح في كافة القنوات الرسمية والخاصة يكفل أن نتعود التبسم ولو لثوان معدودة في وجه المتطوعة - وقد لاحظت أن معظم المتطوعين من البنات والسيدات! - ويضمن أن نمارس حقنا في السؤال المختصر حول ماهية الجرعة وأسبابها، ويكفل لنا حظاً أوفر من تناول طفلنا لأول قطفة مصل! ويضمن لهم فتح البيوت والقلوب وبلا تعقيدات من أي نوع، فرغم ما يُشاع عن الشخصية السودانية المرحابة إلا أن أهل التحصين يحصلون على النسخة السالبة من تلك الشخصية، لأسباب مباشرة تتعلق بالإعلام السلبي والمتجاهل، المذكور آنفا. إنها مسؤولية مشتركة ومهمة لا تتعلق بوزارة الصحة الاتحادية أو برنامجها الموّسع للتحصين أو المتطوعين - وهم حالة تحتاج الوقوف عندها لوحدها - إنما تتخطاهم إلى الإعلام الرسمي والخاص والشعبي بأن يفتح أبوابه وابتساماته وعقوله لتمرير خيوط ضوء الحقائق والتوعية والتثقيف للناس، وحتى نحصل على زمان ممتاز يختار فيه الطفل المثقف صحياً قوله (طعمني.. شكراً)