العد التنازلي مستمر.. والاستفتاء الذي اقتربنا من محطته سينتج عنه أحد خيارين: إما وحدةً أو انفصالاً. فما هي الآثار القانونية التي ستترتب على خيار الانفصال إذا اختار الجنوبيون الانفصال؟ كيف يرتب القانون الدولي القضايا العالقة وماذا يقول عن مبدأ تقرير المصير الذي أقرته الاتفاقية؟ ماذا يقول عن قضية الديون الخارجية وعن ترسيم الحدود، والجنسية وحقوق المواطنة وغيرها من القضايا التي ما زالت الأطراف تتجادل حولها؟ الخبير في القانون الدولي، أستاذ القانون الدولي العام والدولي الإنساني بالجامعات السودانية، الدكتور بدر الدين عبد الله حسن حمد، حاورته «الأهرام اليوم» حول الموضوع فوضع النقاط على الحروف، فماذا قال؟ دكتور بدر الدين، «الاستفتاء على تقرير المصير» هو آخر وأهم وأخطر بنود اتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيفاشا في 2005م، نريد منك تقديم إضاءة قانونية، هل القانون الدولي يقر مبدأ تقرير المصير؟ مبدأ تقرير المصير من المبادئ التي نصّ عليها ميثاق الأممالمتحدة ونصّ عليها كذلك العقد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966م، لكن هذا المبدأ الهدف منه كان تحرر الشعوب من المستعمر، بمعنى أنه قُصد منه تحرر الشعوب الأفريقية والآسيوية وشعوب أمريكا اللاتينية من الاستعمار الأوروبي. وبالنسبة لحق تقرير المصير الذي تم تضمينه اتفاقية السلام الشامل في 2005م، والذي أقرته الأحزاب المعارضة قبل ذلك في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية عام 1995م، فأنا اعتبره أمراً غير سليم وغير صحيح لأسباب قانونية. وتلك الأحزاب التي أقرت هذا المبدأ هناك مسائل كثيرة وخطيرة لم تضعها في اعتبارها. ما الأسباب القانونية التي أشرت إليها؟ السبب الأول: فكما ذكرت لك فإن حق تقرير المصير المنصوص عليه في ميثاق الأممالمتحدة المقصود منه تحرر الشعوب من المستعمر، فتضمينه في اتفاقية السلام لا ينطبق على الحالة السودانية. السبب الثاني: على المستوى الإقليمي فإن النظام التأسيسي لميثاق منظمة الوحدة الأفريقية والنظام التأسيسي للاتحاد الأفريقي نصّا على مبدأ احترام الحدود الموروثة من الاستعمار وعلى حرمة المساس بإقليم الدولة. وهناك سبب آخر: إذا منحنا الجنوب حق تقرير المصير فيمكن أن تطالب بهذا الحق أقاليم أخرى في السودان وأقاليم في دول أخرى من القارة الأفريقية ومعنى ذلك أننا سنعمل على تفتيت القارة الأفريقية وتفتيت الدول، لذلك أنا أعتبر أن هذا المبدأ الذي تضمنته اتفاقية السلام الشامل كان أمراً غير موفق ولا ينطبق على الحالة السودانية وقانوناً غير سليم لأنه يتنافى مع ما جاء في ميثاق الأممالمتحدة ومع ما جاء في النظام التأسيسي لمنظمة الوحدة الأفريقية ومع ما جاء في النظام الأساسي للاتحاد الأفريقي. إذن، هل بالإمكان وبناءً على ما ذكرت تقديم احتجاج ودعوى لدى المحكمة الدولية إذا نتج عن الاستفتاء فصل الجنوب؟ وهل يمكن أن تُقبل الدعوة وتنجح؟ (قال بسرعة): «أنا غايتو من أوائل الذين سيشاركون في كتابة العريضة».. (ثم استدرك ضاحكاً): لكن ما ممكن. لماذا؟ «لأننا.. خلاص اتفقنا.. فهناك اتفاقية اتفق عليها الطرفان وهي معترف بها من قبل المجتمع الدولي.. بالرغم من مخالفتها للقانون الدولي، لكن هي طبعاً من ناحية قانونية اتفاقية بين أطراف وبرعاية دولية وعندها آليات لتنفيذها... و... و... لكن هذا طبعاً لا يمنع الاحتجاج، بإمكاننا أن نحتج لدى المحكمة الدولية. وفي قضية كوسوفو ضد الصرب رفعوا دعوى لدى المحكمة الدولية ولكن المحكمة لم تحكم لصالحهم وقالت إن من حق كوسوفو أن تكون دولة مستقلة. الرعاية الدولية تقوِّى الاتفاقية رغم مخالفتها للقانون الدولي و...؟ (مقاطعاً): ليست الرعاية الدولية ولكن الضغوط الدولية. هذه أنا أعتبرها ضغوطاً دولية، والقانون الدولي في اتفاقية فيينا للمعاهدات الدولية 1967م يقول إنه إذا تمت المعاهدات الدولية تحت الإكراه فهي تعتبر معاهدات باطلة.. وبإمكاني أن أقول إن هذه المعاهدة (معاهدة نيفاشا) تمّت تحت الإكراه الدولي وتحت الضغوط الدولية وتحت الترغيب والترهيب. وقانوناً، وبناءً على ذلك، هي تعتبر اتفاقية باطلة. وماذا عن مسألة إعطاء حق تقرير المصير لمجموعة من المواطنين واستثناء آخرين؟ هناك مبدأ في القانون الدولي.. هو مبدأ المساواة «بالنسبة للجنوب خلاص.. هناك اتفاق»، لكن هناك الآن نزاع وجدال في أبيي يتعلق بحق تقرير المصير. أبيي منطقة تمازج وتسكنها قبائل مختلفة، فأن يُمنح حق تقرير المصير لقبيلة على أساس عرقي وإثني فهذا غير سليم ويتنافى مع المبادئ القانونية التي منها الاحتكام إلى القانون والعدالة والمساواة. الاستفتاء الذي سيتم مطلع العام المقبل سينتج عنه أحد خيارين: إما وحدةً أو انفصالاً.. ما الآثار القانونية التي ستترتب على خيار الانفصال؟ طيب.. إذا نتج عن الاستفتاء على تقرير المصير الانفصال وظهرت دولة جديدة في الجنوب فهناك آثار قانونية كثيرة ستترتب على ذلك. في القانون الدولي هناك مصطلح اسمه «توارث الدول» والمقصود به حلول دولة محل دولة أخرى في ما يتعلق بتحمل الالتزامات والمسؤوليات الدولية. وتوارث الدول يحدث في حالة اتحاد دولتين أو أكثر واندماجهما لتكوين دولة واحدة أو في حالة انفصال إقليم دولة عن الدولة الأم وظهور دولة جديدة. فهناك آثار كثيرة ستترتب في كلتا الحالتين تتعلق بالجنسية والعملة والسفارات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والحدود والديون. من المسائل التي يدور حولها الآن جدل ونقاش كثيف مسألة الجنسية. كيف يرتب القانون الدولي هذه المسألة؟ إذا انفصل إقليم دولة وأصبح دولة قائمة بذاتها فستترتب بناءً على ذلك آثار قانونية تتعلق بالجنسية وحقوق المواطنة، فإذا انفصل الجنوب وأصبح دولة قائمة بذاتها فإن الشمالي الموجود بالجنوب، بناءً على ذلك، سيصبح أجنبياً ويفقد حقوق المواطنة وكذلك الحال بالنسبة للجنوبي الموجود بالشمال، هذا طبعاً إذا لم يتم الاتفاق على شيء آخر. وهناك فرق بين الأجنبي والمواطن؛ فالمواطن هو الشخص الذي ينتمي إلى دولة ويتمتع بكافة الحقوق، أما الأجنبي فهو الشخص المنتمي لدولة أخرى ويحمل جنسية دولة أخرى وحقوقه محدودة؛ مثلاً هو لا يتمتع بالحقوق السياسية وحق الانتخاب وحق الترشيح وكذلك حق الحركة فهو يلزمه في ما يتعلق بالحركة استخراج تأشيرة مثلاً، وما إلى ذلك من إجراءات. هناك جدال يدور الآن حول منح الجنسية المزدوجة. ماذا يقول القانون الدولي عن موضوع الجنسية المزدوجة؟ إذا اتفق الطرفان على الجنسية المزدوجة فهذا ممكن، فيمكن أن يتفق الطرفان بعد الانفصال على الجنسية المزدوجة وستكون هذه الاتفاقية دولية بين دولتين لها أولوية التطبيق قبل القانون الداخلي. وماذا عن مسألة ترسيم الحدود..؟ بالنسبة لمسألة ترسيم الحدود فالمعروف أن ميثاق الاتحاد الأفريقي وميثاق منظمة الوحدة الأفريقية ينصان على ثبات الحدود الموروثة من الاستعمار. والحدود الموروثة من الاستعمار تقول إن السودان كله دولة واحدة. لكن ظهر لنا ما يسمى باتفاقية نيفاشا وفرضت علينا الاستفتاء، فطالما كان هناك استفتاء فيجب أن يتم أولاً ترسيم الحدود قبل الاستفتاء. ومسألة ترسيم الحدود مهمة جداً وتعتبر بؤرة للنزاع بين الدولتين في أي وقت إذا حدث الانفصال، فيجب أن تُحل قبل الاستفتاء. والآن هناك مشاكل حدودية كثيرة في سوريا ومصر وإرتيريا وإثيوبيا. وكيف نظم القانون الدولي ورتَّب مسألة الديون الخارجية؟ هناك معاهدة دولية تتعلق بالديون والتوارث الدولي وما إلى ذلك. طبعاً السودان ديونه الخارجية الآن حوالي (35) مليون دولار وإذا انفصل الجنوب فهو ملزم بتحمل جزء من هذه الديون. ملزم بتحمل كم من هذه الديون؟ النصف مثلاً؟ هناك معايير كثيرة، وهناك أصل الديون والفوائد على الديون. الجنوب ملزم بتحمل ما تم صرفه عليه. ومن المعايير لذلك نسبة السكان. وإذا لم يتم صرف شيء من هذه الديون على الجنوب؟ هناك من الجنوبيين من يقول إن الجنوب لن يتحمل شيئاً من هذه الديون لأنها لم تُصرف عليه؟ «كيف ما صُرفت عليهم؟! والجنوبيون ديل عايشين كيف؟! مافي جامعات؟! مافي مدارس؟ مافي مستشفيات؟ مافي كباري؟ مافي طرق؟». وماذا إذا لم تتوفر الوثائق؟ «كيف لم تتوفر الوثائق؟ ما في مباني؟ ما في عقارات»؟! الديون الخارجية دائماً يتم تقسيمها بنسبة عدد السكان، إذا نسبتهم ثلث عدد السكان فيكون عليهم تحمل سداد ثلث الديون وهم ملزمون بدفع جزء من الديون الخارجية سواء كان من أصل الديون أو من الأرباح. ملزمون بدفع جزء من أصل الديون أم من أرباحها؟ ملزمون بالاثنين.