حكاية مولانا محمد عثمان الميرغني مع أبناء الختمية في المؤتمر الوطني تشكِّل لوحة مُثيرة للخيال تنضح بالخواطر وبعض من الهوى!! والمراقب الموضوعي يستطيع التقاط الغزل الواضح بين مولانا والأستاذ علي عثمان محمد طه، الذي يعكس الوُد المتبادل بين الاثنين، وعلى ذات المنوال لا يمكن إخفاء عنصر التفاهمات الموجودة بين مولانا والدكتور إبراهيم أحمد عمر، التي أفرزت قبل أربع سنوات التكهنات المتعلقة حول مشروع التحالف بين الاتحادي الأصل والمؤتمر الوطني. وبالقدر نفسه فقد ظلت العلاقة بين مولانا والفريق صلاح قوش تتوكّأ على بساط التقارب والحبل الممدود الذي يلوح في محطات كثيرة!! وإذا حاولنا دراسة العلاقة والتفاهمات بين المؤتمر الوطني والاتحادي الأصل ممثلاً في مولانا الميرغني في سياق التقييم العميق والرؤية الموضوعية، فإننا نجد مستويات التفاهمات واقعة بين المد المُعلن والجزر الخفي، وأنها تأخذ أحياناً صِبغة السّريّة والتكتُّم الشديد لتكون مرتعاً خصباً للشائعات والأقاويل المتضاربة من البعض!! لم يقترب مولانا محمد عثمان الميرغني من المؤتمر الوطني بالشكل الصارخ، ولم يتحالف معه حتى الآن، بل عندما كان يطلب من منسوبي حزبه وقف العدائيات في وجه حزب الأغلبية الحاكم، كان يُطلق في أحايين كثيرة إشارات الهجوم اللاذع حياله. وفي السياق لم يكن مولانا ودوداً مع المؤتمر الوطني وأيضاً لم يكن خصماً لدوداً ولا طالب ثأرات معه!! وقد كان مولانا حريصاً على التوقُّف عند بُعد بوصة واحدة من ملامسة الجدار الذي يحدِّد لونية العلاقة مع المؤتمر الوطني. وهنا يقول قيادي في حزب الأغلبية الحاكم بأن مولانا كان مقصِّراً بمقدار أصبع أو أصبعين من لمس التقارب المطلوب مع حزبه!! عطفاً على تلك المعطيات فقد ارتسم مشهد سيريالي في الأيام الفائتة من خلال اللقاء الذي تمَّ بين مولانا والفريق صلاح قوش بمنزل الأخير، وقد قامت الدنيا ولم تقعد في سياق الكشف عن مكنونات ذلك الاجتماع الصاخب، وقراءة ما وراء الصورة والدلالة، حيث يرى الكثيرون أن الخطوة تستحق التأمُّل والتدقيق. الذين في ضفة الاتحادي الأصل ذكروا أن اللقاء طبيعي ولا يخلو من عنصر البُعد الاجتماعي، وقد شدَّد على هذا الرأي الجنرال أمين عثمان مدير مكتب مولانا والرجل النحلة في عالم التكاليف والمهمات الصعبة. أما المؤتمر الوطني فقد طفق يحاول توظيف اللقاء بالقدر الذي يخدم أهدافه. وفي زاوية أخرى أطلقت مجموعة التيار النضالي بالاتحادي الأصل بياناً شديد اللهجة، وصفت فيه العناصر المقربة من مولانا بالانبطاح والتخاذل وبيع القضية المركزية للحزب!! من وحي الجدل والتأويلات والدخان الكثيف حول مضمون اللقاء صار البعض يتساءل: ما الذي حدث؟ وماذا تحت القبعة؟ بغض النظر إذا كان لقاء مولانا وصلاح قوش اجتماعياً أم سياسياً فإن الاجتماع مهما يكن لابد أن تزحف عليه لوازم القضايا الوطنية والعلاقة بين الحزبين. وقد تزامن الاجتماع في وقت تحصّلت فيه مستشارية الأمن الوطني على الكثير من الصولجان والزخم، فضلاً عن ديناميكية قوش بشهادة الأستاذ محجوب محمد عثمان القيادي في الاتحادي الديمقراطي المسجل. وأتصوَّر أن قضيّة علي محمود حسنين قد طرحت على الطاولة، ذلك أن حسنين قد صار يؤرق المؤتمر الوطني بحكم نشاطه الدافق وقيادته للمعارضة في الخارج بشكل لافت!! فهل يمكن أن يقدم مولانا للمؤتمر الوطني هديّة على طبق من ذهب في إطار إقصاء علي محمود من موقعه الرفيع في الاتحادي الأصل؟ ربما تكون الإجابة صعبة إلى حد كبير، فالشاهد أن حسنين صار صاحب نجومية بعيدة وأصبحت أطروحاته تلامس وجدانيات قواعد حزب الوسط الكبير!! وفي الإطار حاولت قيادات في الاتحادي الأصل تصفية الحسابات مع حسنين، غير أن مولانا لم يوافق على ذلك. في مسألة الحوار عن علاقة الاتحادي الأصل بالمؤتمر الوطني قد يتأطّر التفاكر والنقاش على درب الأشواك والهواجس من خلال استلهام التجربة المريرة الواقعيّة للاتحادي الأصل في الحكومة السابقة من خلال بوابة التجمع. وقد ينفتح طريق جديد بعد انفصال الجنوب، وربما يرفع دهاقنة المشاركة في الاتحادي الأصل شعار الواقعيّة!! فهل جوهر مشاركة حزب مولانا إذا أصبحت واقعاً في المستقبل ستكون بالشكل القديم المزري.. أم أن المؤتمر الوطني سوف يطلق الحبل هذه المرة؟ تناثرت حبيبات المعلومات حول أجندة الاجتماع في شتى القضايا التي يقال إنها طالت التوريث والاستحقاقات المالية ودور مولانا في إمكانية اللحاق بمشروع الوحدة الجاذبة. والمحصِّلة كيف تثمر محاولات مولانا في التعويل على أبناء الختمية في المؤتمر الوطني من خلال الحوار والتقارب؟