«الكرامات» في منهج الصوفية إشارات شفافة مليئة بالاستلهام والجاذبية والانبهار، تترك وراءها علامات دالة على ملامسة الوجدانيات واختراق جدار الناموس. والمتأمل في عالم الصوفية يتوقف أمام الموهبة الإدراكية الباطنة المعطونة بمزايا اللطافة وعلم الباطن في تأطير الحقائق والمخرجات إلى السطح. سِجِل التاريخ يكتظُّ بأهل الكرامات في سلك الصوفية، ويوجد في الذاكرة على هذا الدرب الشيخ «فرح ود تكتوك» والشيخ «أبو القاسم الجنيد» والشيخ «يوسف أب شرا» والإمام «محمد أحمد المهدي» ومولانا السيد «علي الميرغني»، فضلاً عن السادة القادرية والسمانية والأدارسة والإسماعيلية. وقد لا يتِّسع المجال للإبحار على جميع المناقب حول هذه الصور. ومولانا محمد عثمان الميرغني، مرشد الختمية ورئيس الاتحادي الأصل، شخصية صوفية وصاحب كرامات، بشهادة الحاج ميرغني عبدالرحمن، الذي أخبرني كثيراً على المستوى الشخصي بتلك الأنوار، وميرغني عبدالرحمن رجل لا يكذب ولا يدهن حديثه بالزبدة!! وعلى ذات النسق يصطف الشريف يوسف الهندي والشريف أحمد بن إدريس. وفي السياق يرى المتصوفة أن الشخص الذي لا يؤمن بالكرامات يكون غليظ القلب كثيف الوجدان والعياذ بالله! لقد ارتسمت لوحة بليغة تجسِّد كرامات مولانا محمد الحسن الميرغني بالشواهد الواقعية، وهو ينتصر على خصومه في الاتحادي الأصل، الذين أطلقوا على أنفسهم التيار الديمقراطي في الحزب، وقاموا بتنظيم اجتماع الحلفايا الشهير خلال الأيام الفائتة. فالشاهد أن هذا التيار قد تضخّم حتى أصبح خطاً مخيفاً في الاتحادي الأصل، يحمل علامات التنظيم المنفصل وسلاح الترهيب وآلية الغزل مع المؤتمر الوطني، ودخل في مصادمة عنيفة وحرب ضروس ضد مولانا محمد الحسن الميرغني، لأنهم يرون أن برنامجه الإصلاحي ورهانه على تجديد الدماء وزحفه نحو عتبة العصر يشكل خطراً على وجودهم. تتألق كرامات مولانا محمد الحسن، التي حولت ميزان التيار الديمقراطي من القوة إلى الضعف، في العديد من الصور والمشاهد التي تخطف الألباب والأبصار، فقد جاءت ملامح الكرامة الأولى عندما شاهد عضو اتحادي في منطقة الحلفايا مولانا الحسن في المنام يطالبه باليقظة!! وإذا بالرجل يشاهد في اليوم الثاني جحافل مجموعة التيار الديمقراطي وهي تتجه لمنزل الاجتماع الذي خصص لمحاربة مولانا الحسن! أما الكرامة الثانية فقد تكمن في مصير الإستراتيجية المحكمة من قبل المجموعة، التي تقضي بإبعاد مولانا الحسن من تنظيم مؤتمر الحزب في المستقبل، والآن الشواهد ترشح مولانا الحسن لأن يكون المشرف على مؤتمر الاتحادي الأصل المرتقب!! والكرامة الثالثة حافلة بالمعاني المذهلة، فقد تطوّعت شخصيات داخل التيار الديمقراطي وجلسة الحلفايا بأن تكون «عيوناً» لمولانا الحسن، واتّضح أن هذه الشخصيات تحوز على ثقة عمياء من قبل قيادة التيار، علاوة على دورها المشهود في الحراك. وقد تكون الفاتورة باهظة إذا تم الاستغناء عن هؤلاء الأفراد أو تقرر تغيبهم عن الاجتماعات، لأن التطورات تصبح في غاية الخطورة، وذات النتيجة ستكون إذا تم الإبقاء عليهم «فهل هنالك كرامة أكثر من هذا؟!». والكرامة الرابعة تلوح في اختيار الخليفة ميرغني بركات لإدارة ملف التيار الديمقراطي وجلسة الحلفايا، فقد استطاع الخليفة ميرغني بركات بذكاء شديد ملامسة الأعماق السحيقة لطبيعة هذا العمل الخطير وأبعاده المدمرة على الحزب، ووصل إلى جوهر الحقائق بأسلوب السلاسة والصدمة، ولم يجامل حتى صديقه الذي ذهب إلى الضفة المعاكسة. والخليفة ميرغني بركات هو أول محقق يحوِّل النفي المتكرر إلى علامة دالة على التوريط. والآن مجموعة التيار الديمقراطي عادت تئز من جديد بصوت خفيض وجناح مكسور وخطوات كسيحة، بعد أن تلقت ضربة لازب، وصار الغطاء الموجود في كنانتها مكشوفاً. وقد نظموا اجتماعات متقطعة في الدروشاب والصافية والرياض والخرطوم وربما أمبدة، فضلاً عن الاجتماع بمكتب صاحب منزل الدروشاب، الذي يقع جنوب غرب مواصلات بحري!! وهم يريدون بريق السلطة من وحي الشعارات النبيلة ويعشقون المصلحة الذاتية من عرق المستغفلين، وقد قاموا على عجل بتكليف (م) لشؤون الطلاب دون النظر في إخفاقاته المشهودة، أما الشباب فقد كان (م. ه)، وتم اختيار (أ. أ) لجمع المال، فضلاً عن (ه) للأقاليم، وبالقدر نفسه نمسك عن ذكر بقية التكاليف لأسباب ضرورية، ونعتذر للمانجل الشجاع «الياس موسى» الذي طالب بذكر الأسماء على الهواء الطلق، لأن ذلك ليس ممكناً بحسب العرف واللياقة! وها هو العمدة عبدالله العمدة جمّاع، رئيس الحزب الاتحادي الأصل بحلفاية الملوك وبحري شمال، يستنكر الاجتماع الذي قامت به المجموعة الخارجة عن مرجعية الحزب، بالحلفايا، ويؤكد وقوفهم بصلابة خلف قيادة مولانا محمد عثمان الميرغني. والأدهى عن جماعة التيار الديمقراطي أنهم احتفلوا في فترة سابقة بفقدان الأستاذ طه علي البشير دائرة الدبة، رغم الدخان الكثيف عن النتيجة، وكادوا يدعون الفنان «قيقم» للتعبير عن مشاعرهم. في ثنايا المحصلة يتأطر مصير التيار الديمقراطي في الاتحادي الأصل الذي واجه سياط الغاضبين واستخفاف العاقلين، وكان الدرس بأن قوالب الانتهازية أضيق من أن تحتوي بصائر الجماهير.