دخل حظر حكومة الجنوب لصحيفة «الأهرام اليوم» بالولايات الجنوبية العشر يومه ال(42) دون أن تكشف عن دواعي إقدامها على الخطوة، في وقت استنكرت القوى السياسية وخبراء القانون المسلك الذي أكدوا أنه يناقض بصورة واضحة دعوات ومطالبات قيادات الحركة الشعبية بكفالة الحريات، بما فيها حرية الصحافة والمطبوعات، وطالبوا حكومة الجنوب بمراجعة قرارها أو اللجوء إلى القضاء. واعتبرت القوى السياسية أن لجوء حكومة الجنوب إلى منع دخول صحيفة «الأهرام اليوم» في الوقت الراهن والبلاد مقبلة على استفتاء تقرير مصير الجنوب؛ يعد مؤشراً على أن حكومة الجنوب تسعى لإدارة الاستفتاء على نحو تغيّب فيه حقوق الناخب الجنوبي من حيث الإدلاء بصوته وتبصيره بمآلات ونتئاج اختياره سواء انحاز للوحدة أم للانفصال. وطالب الحزب الشيوعي على لسان عضو لجنته المركزية صديق يوسف حكومة الجنوب باللجوء إلى القضاء بدلاً عن مصادرة الصحف، وقال ل «الأهرام اليوم»: «مبدئياً نحن مع حرية الصحافة وحرية النشر وإذا ما رأت حكومة الجنوب أنها تضررت من الصحيفة فعليها الرجوع إلى القضاء»، وأضاف «نحن ضد كل أشكال التضييق على الحريات ومصادرتها». واستغرب الحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل» الخطوة، وأكد أن قيادات الحركة الشعبية داخل البرلمان كانت صمام أمان في الدفاع عن حرية الصحافة وأنها كانت أشد القوى السياسية اعتراضاً على إيقاف الصحف ومصادرة الرأي والرأي الآخر، مشيراً إلى أن حظر دخول الصحيفة إلى ولايات الجنوب من شأنه أن يثير شكوكاً وردود أفعال سلبية ضد حكومة الجنوب والكيفية التي تريد أن تدير بها الاستفتاء. وقال القيادي بالحزب حسن أبو سبيب ل «الأهرام اليوم» إن ما حدث يتنافى مع الحريات والتحول الديمقراطي، مشيراً إلى أن ما أسماه بالزمن المعقد والمشحون بالتوتر السياسي؛ يحتاج أول ما يحتاج إلى الصحافة التي نبّه إلى أنها نبض الشارع والمجتمع السياسي، وأن استمرار قمع الحريات من شأنه أن يوجه الأمور إلى مسار خطير وغير مفيد. ووصف حزب الأمة القومي إيقاف دخول «الأهرام اليوم» إلى الجنوب بأنه تصرف وقرار غير موفقين، وأكد أن الأمر فيه مؤشرات بأن الحركة الشعبية تسعى لإدارة استفتاء جنوب السودان بنفس الكيفية التي أدار بها المؤتمر الوطني العملية الانتخابية، لكنه نبَّه إلى أن الأمر لن يسير كما سارت عليه العملية الانتخابية. وقال نائب رئيس المكتب السياسي للحزب د. محمد مهدي حسن ل «الأهرام اليوم» إن عدم قبول نتائج الاستفتاء سيؤدي إلى حرب مباشرة بين الشمال والجنوب وهذا مكمن الخطر، داعياً حكومة الجنوب إلى مراجعة قرار إيقاف الصحيفة والسماح بالندوات واللقاءات التي تبصّر الناخب الجنوبي. وأشاد مهدي بالصحافة السودانية بصورة عامة وصحيفة «الأهرام اليوم» على نحو خاص، وأكد أنها ظلت تتعامل في طرحها لقضايا الاستفتاء باعتدال ومسؤولية، وقال «رغم تحفظاتنا على ما تتناوله صحيفة الانتباهة إلا أن «الأهرام اليوم» وبقية الصحف ظلت تتابع أمر الاستفتاء بمسؤولية». ووصف حزب المؤتمر الشعبي مسلك حكومة الجنوب بالممارسة الخاطئة، لكنه أشار إلى أنها متوقعة، وقال إنه ومهما كانت الأسباب كان على الحركة الشعبية اللجوء إلى القوانين التي تحكم الصحف، مشيراً إلى أن الخطوة تعد شكلاً من أشكال القمع، وأنه لا يتوقع إعمال مبدأ شفافية في إدارة الاستفتاء في الجنوب على خلفية منع صحيفة «الأهرام اليوم» من الدخول إلى الجنوب. ورأى القيادي بالحزب د. سليمان حامد في حديثه ل «الأهرام اليوم» أن الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني يتبعان نهجاً إقصائياً، وقال «لا يوجد فارق كبير فما تفعله الحركة في الجنوب يفعله المؤتمر الوطني في الشمال كأنما هو اتفاق بينهما». وقال المحامي عثمان عمر الشريف ل «الأهرام اليوم»: «من الناحية القانونية لا يحق لأيما ولاية أو حاكم منع أو حظر صحيفة ما إلا عبر إجراءات قضائية وفي هذه الحالة تعلن الصحيفة أو الناشر ولكن أن تأتي قوة وتصادر الصحيفة من المطار وتمنع دخولها ولايات الجنوب فهذا قرار سياسي لا يسنده قانون». واعتبر عمر الشريف خطوة حكومة الجنوب ظاهرة أشار إلى أنها غير مشجعة، وقال: «نحن نأسف لذلك لأننا في وقت الناس يسعون لإدارة العملية السياسية في إطار احترام الرأي والرأي الآخر وصولاً إلى وحدة حقيقية أو انفصال مبني على أساس قانوني وموضوعي». إذن، يمضي بهذا العدد (42) يوماً على مصادرة قوة من أمن مطار جوبا لكمية المطبوع من صحيفة «الأهرام اليوم» دون تقديم أي مبررات أو مسوغات لدواعي الخطوة، وبصرف النظر عن مبررات حكومة الجنوب؛ يبقى حظر دخول الصحف إلى الجنوب أحد المؤشرات التي تجيب على سؤال عريض: كيف ستدير الحركة الشعبية استفتاء تقرير مصير الجنوب بحرية وشفافية وعدالة؟..