زادت تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي «مليس زيناوي» أمس الأول (الثلاثاء) حدة الصراع على مياه النيل الذي تفجرت مفاعيله وتوالت تدعاياته منذ أبريل الماضي عندما بادرت دول المنبع إلى التوقيع على اتفاق إطاري لم ترضَ عنه دولتا المصب «مصر والسودان»»، وظل الصراع محتدماً على جبهاته الإعلامية وفي مستوياته الدنيا إلى أن جاءت تصريحات «زيناوي» التي اتهم فيها مصر بدعم الجماعات المتمردة على الحكومة الإثيوبية لزعزعة استقرار بلاده. وعندما التقى قادة دول منابع النيل السبع (إثيوبيا، تنزانيا، أوغندا، كينيا، جمهورية الكونغو الديموقراطية، رواندا وبورندي) في العاصمة الأوغندية كمبالا في مايو الماضي للتوقيع على اتفاق جديد لتقاسم مياه النيل بدأ الفصل الأول من مسلسل تحول الصراع على مياه النيل بين دول المنبع ودولتيْ المصب مصر والسودان، من إدارة المياه إلى الصراع عليها، وهو مسلسل لا يعرف أحد نهاياته. وكانت قمة قمة شرم الشيخ الوزارية (11 – 14 أبريل) 2009م قد فشلت في تجسير هوة الخلاف بين دول مجرى النهر، خصوصاً بعد إصرار دول المنبع على توقيع الاتفاق في 15 مايو الماضي بصرف النظر عن موافقة دولتيْ المصب «مصر والسودان» من عدمها، على الرغم من أن الاتفاق برأي دولتيْ المصب غير مجمع على كافة بنوده ويخالف في إطاره العام مبدأً أساسياً تبنى عليه جميع الاتفاقات والمعاهدات المنظمة لاستخدام مياه الأنهار الدولية، ألا وهو اعتبار الاستخدامات القائمة للحفاظ على السلم الإقليمي والدولي من خلال ضمان استقرار الدول المعنية الذي لا يتحقق إلا باحترام مبادئ حُسن الجوار، وهو مبدأ عُرفي أكدت عليه الاتفاقات الدولية ذات الصلة، ويتأسس على مرتكزين أساسيين ومتلازمين، هما الاستخدام المنصف والمعقول لمياه النهر، والالتزام بعدم التسبب في ضرر نتيجة استخدام أي من دول المجرى للجزء الواقع منه في أراضيها، وهذا ما تم إقراره في (قواعد هلسنكي في العام 1966م ونص عليه صراحةً قانون الأنهار الدولية للأغراض غير الملاحية في العام 1997م في مواده الخامسة والسادسة والسابعة). وتطالب دول المنبع السبع بضرورة إلغاء أو تعديل بند الأمن المائي الوارد في الاتفاق الإطاري الذي ينص على عدم المساس بحصة مصر والسودان وحقوقهما التاريخية في مياه نهر النيل، ولا ترى أن هذا البند مقدساً، وتتحدث صراحةً عن أهمية إعادة تقسيم الحصص بما يحقق مبدأ العدالة في توزيع مياه النهر. وشهدت مفاوضات شرم الشيخ وما تلاها من لقاءات ثنائية وثلاثية وجولات دبلوماسية، تصلباً من طرفي المعادلة «دول المنبع» من جهة و»دول المصب» من الجهة الأخرى، مما وضع الأزمة كلها على حافة الهاوية، بما ينذر بتعقيدات أكبر بعد توقيع الاتفاق. وتتذرع دول المنبع بأن الاتفاقية السارية تمت في غياب الإرادات الوطنية لمعظم دول مجرى النهر؛ ذلك لأنها أبرمت إبان عهود الاستعمار، وترى بطلان تلك المعاهدات المبرمة في ظل الاحتلال، غير أن دول المصب تخالفها الرؤية إذ ترى أن تلك المسألة حسمت في معاهدة فيينا في العام 1978م بشأن توارث الدول للمعاهدات الدولية بالتأكيد على «مبدأ سريان المعاهدات الدولية ذات الطبيعة الإقليمية في شكل مبادئ عامة لا يجوز الخروج عنها أو الاستثناء في تطبيقها»، ويستثنى من ذلك «الالتزام بإقامة قواعد عسكرية أجنبية في الإقليم تكون الدولة السلف قد تعهدت بها». الآن بعد مرور ما يقارب العام عاودت الأزمة الإطلال من جديد بلغة أكثر تحدياً، على الرغم من إصرار «زيناوي» على سلوك درب الحوار باعتباره الطريق الأوحد لحل مشكلات القارة وهي تستشرف الألفية الجديدة، وفي خلاصات حديث زيناوي تكمن الحلول؛ لأن أفريقيا ودول نهرها الأطول في العالم لا تحتاج إلى حروب جديدة تضاف إلى أزماتها المزمنة التي أقعدتها عن التطور والنمو.