عندما يلتقي قادة دول منابع النيل السبع: أثيوبيا وتنزانيا وأوغندا وكينيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية ورواندا وبورندي اليوم (الجمعة) في مدينة (عنتيبي) الأوغندية للتوقيع على اتفاقية تقاسم مياه النيل الجديدة، يكون الفصل الأول من مسلسل تحول الصراع على مياه النيل بين دول المنبع ودولتي المصب مصر والسودان، من إدارة المياه إلى الصراع عليها، تكون أولى حلقات المسلسل قد بدأت، وهو مسلسل لا يعرف أحد نهاياته. وكانت قمة قمة شرم الشيخ الوزارية (11 – 14 أبريل) الماضي قد فشلت في تجسير هوة الخلاف بين دول مجرى النهر، خصوصاً بعد إصرار دول المنبع على توقيع الاتفاق اليوم (15 مايو الجاري) بصرف النظر عن موافقة دولتي المصب (مصر والسودان) من عدمها، على الرغم من أن الاتفاق برأي دولتي المصب غير مجمع على كافة بنوده ويخالف في إطاره العام مبدأ أساسياً تبنى عليه جميع الإتفاقات والمعاهدات المنظمة لاستخدام مياه الأنهار الدولية، ألا وهو اعتبار الاستخدامات القائمة للحفاظ على السلم الإقليمي والدولي من خلال ضمان استقرار الدول المعنية الذي لا يتحقق إلا باحترام مبادئ حسن الجوار، وهو مبدأ عرفي أكدت عليه الاتفاقات الدولية ذات الصلة، ويتأسس على مرتكزين أساسيين ومتلازمين هما الاستخدام المنصف والمعقول لمياه النهر، والالتزام بعدم التسبب في ضرر نتيجة استخدام أي من دول المجرى للجزء الواقع منه في أراضيها، وهذا ما تم إقراره في (قواعد هلسنكي في العام 1966 ونص عليه صراحة قانون الأنهار الدولية للأغراض غير الملاحية في العام 1997 في مواده الخامسة والسادسة والسابعة). وتطالب دول المنبع السبع بضرورة إلغاء أو تعديل بند الأمن المائي الوارد في الاتفاق الإطاري الذي ينص على عدم المساس بحصة مصر والسودان وحقوقهما التاريخية في مياه نهر النيل، ولا ترى هذا البند مقدساً، وتتحدث صراحة عن أهمية إعادة تقسيم الحصص بما يحقق مبدأ العدالة في توزيع مياه النهر. وشهدت مفاوضات شرم الشيخ وما تلاها من لقاءات ثنائية وثلاثية وجولات دبلوماسية تصلباً من طرفي المعادلة «دول المنبع» و»دول المصب»، مما وضع الأزمة كلها على حافة الهاوية، بما ينذر بتعقيدات أكبر بعد توقيع الاتفاق الذي ستتم مراسمه اليوم بالعاصمة ا لأوغندية كمبالا. وتتذرع دول المنبع بأن الاتفاقية السارية تمت في غياب الإرادات الوطنية لمعظم دول مجرى النهر، ذلك لأنها أبرمت إبان عهود الاستعمار، وترى بطلان تلك المعاهدات المبرمة في ظل الإحتلال، غير أن دول المصب تخالفها الرؤية إذ ترى أن تلك المسألة حسمت في معاهدة فيينا في العام 1978 بشأن توارث الدول للمعاهدات الدولية بالتأكيد على «مبدأ سريان المعاهدات الدولية ذات الطبيعة الإقليمية في شكل مبادئ عامة لا يجوز الخروج عنها أو الاستثناء في تطبيقها»، ويستثنى من ذلك «الالتزام بإقامة قواعد عسكرية أجنبية في الإقليم تكون الدولة السلف قد تعهدت بها». ونحن في السودان، وفي هذه المحطة المفصلية من تاريخنا الوطني، وما تتطلبه مثل هذه المنعطفات من إرادة وحسن تدبير واستعانة بالخبراء، والابتعاد عن الخطابة الفارغة والاقتراب أكثر من الواقعية والعلمية وحساب المصالح، على قيادة الدولة حساب مصلحتنا الوطنية بدقة وعناية وحصافة قبل اتخاذ أية خطوة ذات طابع عاطفي أو حسابات تاكتيكية أو مجاملات دبلوماسية غير محسوبة، ذلك لأن كل ما يترتب على اتفاقية مياه النيل سيكتبه التاريخ، وسيؤثر على أجيالنا المقبلة، سواء كان ذلك سلباً أو إيجاباً، لا سيما وأن أتفاقية مياه النيل في سبيلها للتحول من مبادرة للاستخدام الأمثل لمياه النيل و إدارة المياه إلى مناسبة لإدارة الصراع.