ليس من المتوقع أن تتوصل دول حوض النيل العشر، التي يجتمع وزراء الري والمياه بها في مدينة شرم الشيخ المصرية إلى اتفاق نهائي. وكان المجتمعون قد فشلوا في التوصل إلى اتفاق أمس الثلاثاء بعد اجتماعات عاصفة استمرت 14 ساعة، واقترحت مصر والسودان إنشاء مفوضية عليا لجذب الاستثمارات، وإدارة مشروعات التنمية في المنطقة، مع استمرار التفاوض حول البنود العالقة. الميراث البريطاني في المقابل تسعى بقية الدول الثمانية لتعديل اتفاقية تقسيم المياه في الحوض، التي وضعتها بريطانيا عام 1929، وتم تعديلها عام 1959، والتي بموجبها تحصل مصر على 55 مليار متر مكعب من المياه سنويا، بينما يحصل السودان على 18 مليار متر مكعب، من مجموع 86 مليار متر مكعب يحتوي عليها الحوض، وتنص هذه الاتفاقية على عدم تعديل أي بند فيها دون موافقة مصر. تطالب دول المصب بتعديل هذه الاتفاقية، بحجة أنها وضعت زمن الاستعمار، حيث لم يكن لهذه الدول إرادة سياسية تعبر عن مصالحها، وتهدد هذه الدول بتوقيع اتفاق إطاري منفرد، بغض النظر عن موقف دولتي المصب، مصر والسودان. الصراع مكلف وفي حديث لإذاعتنا قال هاني رسلان، رئيس وحدة السودان وحوض النيل، بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إنه ليست هناك أي مؤشرات تفيد باقتراب المجتمعين من التوصل إلى اتفاق، أو التفاهم حول النقاط الخلافية الثلاث، والتي أثيرت منذ شهر مايو- ايار العام الماضي في مدينة كينشاسا الكونغولية، وهددت بأزمة بين دولتي المصب من ناحية، ودول المنابع من ناحية أخرى. ووفقا لرسلان فإن مصر والسودان حريصتان على استمرار التعاون، موضحا: "لأن الصراع سوف يكون مكلفا، وسوف يؤدي إلى خلق مشاكل لكل الأطراف، وفي نهاية المطاف نحن دول جيران وأشقاء في حوض واحد، وفي منطقة جغرافية واحدة، ولن يغادر أحد هذه المنطقة، وبالتالي يجب الصبر والتأني واستخدام الحكمة في هذا الإطار، خاصة وأن دول المنابع تحاول التركيز فقط على كمية المياه التي تسير في مجرى النهر، بينما مصر قامت بدراسات موثقة في السنوات العشر الماضية، أوضحت من خلالها بالدليل العملي أن هناك كميات هائلة من الأمطار تقدر بحوالي 1660 مليار متر مكعب تهبط على دول حوض النيل، وأن ما يصل في مجرى النهر خلف بحيرة السد العالي، هو فقط 84 مليار متر مكعب، أي أقل من 3% من الإيراد الكلي لبلدان الحوض، ومن ثم لا يمكن محاسبة مصر على أنها تستولي على الحصة الأكبر، وهي تعتمد على 95 % من احتياجاتها على نهر النيل، بينما تسقط على دول المنبع كميات هائلة من الأمطار تضيع في المستنقعات، لذلك لابد من حساب الحجم الكلي لإيرادات الحوض، وليس فقط ما يجري في النهر". تحريض إسرائيلي من الواضح أن مصر لن تقبل تحت أي ظرف من الظروف المساس بحصتها، وخاصة أنها ستعاني في المستقبل من عجز في المياه، إذ يتوقع الخبراء أنها بحلول عام 2017 ستحتاج إلى 86 مليار متر مكعب سنويا، بينما المتاح هو فقط 71 مليار متر مكعب، ووفقا لهاني رسلان، فإن هناك جهات خارجية تحرض دول الحوض لتغيير الاتفاقية قائلا: "هناك تحريض واضح والدولة المحرضة هي إسرائيل، علما بأن مصر قبلت مبدأ إقامة مشروعات في هذه البلدان، شريطة ألا تمس هذه المشروعات حصة مصر، وهناك متسع، فدول حوض النيل أقامت 22 مشروعا من شأنها أن توفر 18 مليار متر مكعب إضافي، وتساعد على توليد الطاقة، ومساحات أكبر للزراعة، والمساهمة في تحسين البيئة، ولكن دول المنبع تريد أن تلقي بكل هذا وراء ظهرها، وأن تناقش فقط حصة مصر الحالي، وهذا أمر غير مفهوم وغير منطقي، علما بان دول المنابع معظمها لا يحتاج لمياه على الإطلاق، فالكونغو لديها نهر يوجد به من مياه عشرة أضعاف ما يوجد في نهر النيل، فقط أوغندا كينيا، وتنزانيا تعاني من مشاكل، ومصر تقوم بمشروعات على حسابها ونفقتها الخاصة، لتطهير المجاري في هذه البلدان، ولحفر آبار عميقة، وهي منفتحة دائما". انفصال جنوب السودان احتمال انفصال جنوب السودان قد يعقد المشكلة أكبر، إذا تصبح دول المنابع تسع دول، وخاصة إذا أدى الانفصال إلى تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، ولكن وفقا لهاني رسلان فإن دولة جنوب السودان، في حال قيامها، "لا تحتاج إلى أي مياه على الإطلاق، لأنه تنتشر بها مساحات كبيرة من المستنقعات، وهي تعتمد على الأمطار، وتحتاج إلى تصريف المياه، وليس إلى حجز المياه، ولكن التعقيد قد ينشأ من الموقف السياسي للدولة الجديدة، والتي قد تنضم إلى دول المنابع وبالتالي بدلا من أن تكون جسرا للإصلاح، وتقريب وجهات النظر، قد تكون عاملا في تعقيد الموقف، وهذا الأمر غير واضح حتى الآن ولكن مصر حريصة منذ السبعينات على إقامة علاقة طيبة وجيدة مع جنوب السودان، وزادت وتيرتها في السنوات الأخيرة عبر الكثير من صور الدعم المجاني من مصر لجنوب السودان، تحسبا لنشأة هذه الدولة الجديدة". مصر لا تقبل بالتحكيم الدولي وإذا فشلت اجتماعات شرم الشيخ من التوصل إلى اتفاق، فإنه من المستبعد اللجوء إلى التحكيم الدولي، وبهذا الصدد يقول رسلان "لن نقبل بالتحكيم الدولي، أقصد أن مصر لا تريد الدخول في هذه المتاهة، هذا حق تاريخي، وهناك مبدأ للمعاهدات والالتزامات الدولية، فدول المنابع تقول أن من وقع الاتفاقية هو الاستعمار، ولكنه هو أيضا من أنشأ حدود هذه الدول، التي تحترمها بقرارات من منظمة الوحدة الإفريقية، فلا يجب تجزأت القانون الدولي، وفي نهاية المطاف فهذه الدول دول صغيرة ومأزومة، ودول لديها صراعات إثنية ومشاكل اقتصادية، ومشاكل على الحدود ومصر لا تريد التلويح بأي شكل من مشاكل الصراع في هذا الإطار، رغم أن لديها الكثير من الأوراق الدبلوماسية والقانونية، وكل الوسائل المتاحة إذا لزم الأمر للدفاع عن مصالحها، وعن أمنها القومي".