{ ربما أن الكثيرين من معجبي وعاشقي فن البلابل، همهم وشغلهم ما يدور من أحداث يحركها من طرف واحد الأستاذ الملحن بشير عباس، وهو يهدد ويتوعد كلما أتيحت له فرصة حوار صحفي بأنه سيمنع البلابل من ترديد ألحانه، ووصل الأمر الى تهديده لهن بقوة البوليس.. وقرَّب يقول إنه سيرفع الأمر إلى قوات (اليوناميد) العاملة زي شوكة الحوت لا بتبتلع لا بتفوت، ودخل الصراع أيضاً وبصورة مفاجئة الشاعر الأستاذ إسحق الحلنقي متضامناً مع بشير عباس ومهدداً بمقاضاة الشقيقات الثلاث لو أنهن رددن كلماته على أي جهاز إعلامي..!! { ربما أن الكثيرين من عشاق البلابل قد شغلهم هَم كيف ستواصل البلابل مسيرتهن الغنائية وهن من شكلن وجوداً وحضوراً في الدواخل بأغنيات هذا الثنائي المتفرد والخطير. بل شغلهم، وأنا منهم، سؤال إن كان البلابل سيقدمن حفلاتهن من غير «لون المنقة ورجعنالك وغيرها»، وهل إن فعلن سيجدن التجاوب وينتزعن الآهات وكلمات الإعجاب من مستمعيهم؟ ظلت هذه الأسئلة حبيسة حتى شاهدت السهرة التي استضافت فيها الفضائية السودانية التي قلبت (الهوبه) في هذا العيد ببرامجها الثرة والجاذبة، استضافت فيها البلابل اللائي (قصدن) ألا يؤدين أغنية واحدة من كلمات إسحق الحلنقي أو ألحان بشير عباس. فغنين من أشعار عبد الرحمن مكاوي وغيره من ألحان الموصلي وأنس العاقب والهادي الجبل، فلم يتغير طعم البلابل ولم تقل ولو لدرجة واحدة نسبة الطرب العالي في أدائهن، بل على العكس أكدن في هذه السهرة أنهن حضوراً من غير بشير عباس وأن بشير عباس هو من غاب فظلم نفسه وألحانه، لتتأكد لي حقيقة واحدة أن أسطورة البلابل لم تشكلها فقط ألحان شخص بعينه أو كلمات آخر؛ بل شكلتها شخصيتهن المميزة وأصواتهن المتعانقة وحضورهن الآخاذ وإجادتهن للألحان التي يغنينها، أضف الى ذلك إحساسهن العالي بالكلمات المغناة والدليل على ذلك أغنية الأستاذ عبد الرحمن مكاوي التي كادت، ومن حرارة أدائها، أن تجعل فيوزات التلفزيون تحترق لولا أن نزل عليها دعاش لحن الدكتور أنس العاقب برداً وسلاماً. { أعتقد وبكل المقاييس أن بشير عباس أو الحلنقي كلاهما خاسران بمنع البلابل أداء أغنياتهم والثلاثي الأسطوري يؤكد ومن خلال هذه السهرة أنه لم يفقد بريقه ولا قلّت جذوة الجمال والحلاوة في أدائه؛ بل على العكس كانت فرصة لنا لنكتشف البلابل في كلمات أخرى وألحان مختلفة أسبغن عليها من سحرهن وجمال صوتهن ما جعلها تحفة ولوحة بالغة الجمال وإن كنت لازلت آمل ألاّ تنقطع حبال الوصل بين البلابل وبشير والحلنقي الذي دخل وفي هجمة مرتدة الى الصراع، حتى تعود المياه بينهم الى مجاريها لأن التجربة أكدت أن الخاسر في هذا الخلاف هو المستمع السوداني والملحن والشاعر؛ لأنهما إن منعا أغنياتهما عن البلابل ووضعاها في خزانة النسيان فكده (ووب)، أما إن منحاها لأي صوت آخر فأجزم أنه لن يستطيع أن يغنيها كما فعلت البلابل وسنظل دائماً في حالة مقارنة في غير صالحه ودي (ووبين تلاتة) وفي النهاية المظلوم المستمع السوداني الذي عشق هذه الأعمال بصوت هادية وآمال وحياة بدلالة أنه لم ينقطع عنهن رغم بُعد المسافة والترحال لهن عن الوطن ليعدن اليه فيكتشفن أنهن لم يفقدن أراضيهن القديمة بل أضفن اليها أراضي جديدة من أجيال ناشئة عشقت البلابل وحفظت أغنياتهن وكأنهن لم يغبن عن الوطن ساعة واحدة. { كلمة عزيزة قالت لي «سعيدة»، وهي سيدة جنوبية جاءت الخرطوم نازحة أيام الحرب، قالت لي وأنا أسألها وهي من طال غيابها عني وداعبتها: «إنتي مشيتي الجنوب واللا شنو»؟ قالت: «أنا ما مشيت وما عايزة أمشي لأنه نحن أخوان»، وأضافت بلكنة جنوبية صرفة: «البلد ده كبير بيشيل الناس كله يتشاكلوا ليه»؟ فأُسقط في يدي بحكمة هذه العجوز التي استوعبت معنى الوطن والوطنية وأن البلد تسع الجميع. لكن يا «سعيدة» من يقنع الحركة الشعبية أن هذا هو فهم الجنوبيين البسطاء الذين يدركون حقيقة الأسباب التي دعتهم للنزوح شمالاً حيث الأمان والمأوى. ليت قادة الحركة كان لهم ربع فهم «سعيدة» ونصف عاطفتها؛ فلربما كان لهم موقف غير المخزي الذي هم عليه..!! { كلمة أعز أدارت إيناس محمد أحمد حوارها مع البلابل برشاقة وخفة دم أكدت أنها مذيعة من الوزن الثقيل..!!