بدون استصحاب مفردات المثالية والشفافية والسمو يؤلمني حد الألم ويزعجني حد الانزعاج أن أسمع أن ملحناً ما أو شاعراً في طريقه لنزع أغنياته من فنان تغنى بها لسنوات طويلة لتخلد بذلك في دواخل المستمعين، بل إنها عند بعض السميعة كالبصمة التي لا تجد لها مثيلاً أو شبيهاً، وعندما أُقصى مجبرةً الشفافية والمثالية عن هذا الحديث فذلك - والحق يقال - لأن للشعراء والملحنين حقاً مادياً كفله لهم قانون الملكية الفكرية، وإن كان هذا الحق وهذا الرصيد لا يساوي ولا يجاري بأي حال من الأحوال الرصيد المعنوي والأدبي الذي يجده هؤلاء المبدعين، وتعالوا معي نتخيل هذا المنتج الإبداعي كائناً وُلد لأم وأب معروفين، ونشأ في هذا المناخ، يحمل كل صفات وجينات من ينتمي إليهما، لكن فجأة - والطلاق له أسبابه أو دونما أسباب - يقرر أحد الوالدين أن ينزع هذا الطفل.. ومش يحتضنه بل إنه يقرر أن يمنحه لأسرة بديلة هي غريبة عنه، ربما إن عاملته بطيبة وحسن أخلاق يكون دافعها الشفقة التي تفرق كثيراً عن عاطفة الميلاد والنشأة. نعم هذه الأعمال الفنية التي يقرر بعض الملحنين أو الشعراء نزعها من أصحابها الأصليين ومنحها لآخرين تموت وتذبل وتضيع، ليكون هؤلاء قد ارتكبوا جرماً حقيقياً في حقها وفي حق المستمعين والمتلقين الذين هم المعنيون في المقام الأول بهذا الإنتاج الإبداعي. على فكرة إن كان قانون الملكية الفكرية قد أنصف أضلاع مثلث أي عمل غنائي، وأعني الشاعر والملحن والمغني، فهو قد ظلم المستمع كثيراً وجعله الضحية رقم واحد حينما يستخدم هذا القانون كالسيف المسلط على الرقاب، فأين حق المستمع الذي بنى كل رصيده العاطفي وأحاسيسه الإنسانية على هذه الأعمال؟ أليس من حق المستمع الذي أحب تلك الكلمات بصوت فلان من الناس.. أليس من حقه أن يُمنح خصوصية الطرب من الحنجرة التي يعشقها؟ أنا بالتأكيد لا أطالب الشعراء ولا الملحنين أن يكونوا ملائكة ويتخلوا عن حقوقهم، ولا أريد أن يكون بعضهم كالشاعر عثمان خالد الذي حدثني عنه الأستاذ مؤمن الغالي حيث قال إنه كان يقول له إن غاية أمنياته وأعلى سقف لسعادته أن يسمع كلمات قصائده تتردد على الشفاه لتطير وتحلق ثم (ترك) في أي غصن تشاء، وبهذا الفهم لن أطالب الموسيقار بشير عباس أن (يعفي) حقه إن كان له حق مالي عند البلابل، لكن وين حق الشعب السوداني الذي عشق أغنيات الثلاثي الاستثنائي؟ هل من حقه أن (يجبرنا) على أن نسمعها من رفيعة وإنصاف فتحي، أم نرهن آذاننا للكاسيت ولا نتحرر من قبضته، طالما أن صوت البلابل هو وحده من يدغدغ أحاسيسنا ويخلي قلوبنا تدق! أعتقد أن قانون الملكية الفكرية إن طُبق بحذافيره دون تدخل للعواطف والمشاعر أو حتى الأجاويد سيكون المتضرر منه الأول والأخير هو المتلقي الذي واحد من حقوقه غير المضمنة في القانون ولا الدستور أن يسمع الأغنية الفلانية بصوت فلان الفلاني، طالما أنها تجد عنده وقعاً وأثراً، فإن كان قانون الملكية الفكرية سيمنعنا من سماع روائع البلابل بصوتهن، أو الدروشة والذوبان في صوت فيروز.. إن شاء الله بالحريقة التاكله ورقة ورقة! { كلمة عزيزة ما في أسهل من برنامج تلفزيوني يُجمع له عدد من الفنانين وعدد من الشخصيات المعروفة للونسة والنقاش.. وأغنية من هنا وأغنية من هناك، لكن الصعوبة الحقيقية هي في أن لا يشبه هذا البرنامج تلك السهرة، والصعوبة الحقيقية في أن يستطيع المعد والمقدم نبش ما بداخل ضيوفهم وإظهارهم على غير ما تعود عليه المشاهد من صورة روتينية مملة ومكررة، رغم أنني مقتنعة أن معظم برامج الفضائيات للأسف تسير على وتيرة واحدة، لكن يبقى سر التألق في شكل التقديم والرؤى الإخراجية، فإن لم يتحقق ذلك حيكون كله عند المشاهد ليمون! { كلمة أعز أنا شخصياً أحتفظ برصيد طويل وقصص وحكاوي حدثت لي مع الأطباء، بل إنني أصبحت خبيرة في طريقة التعامل معهم وبت أعرفهم من سيماهم في وجوههم، يعني مثلاً في المفلهم وفي القرفان وفي الما بسمعك وما بتكلم معاك، لكن أجبرتني طبيبة شابة تعمل بمستشفى حاج الصافي أن أستعيد ثقتي فيهم بطولة بالها وجمال تعاملها وحسن استماعها، خاصة وهي تتعامل مع شريحة الأطفال. التحية لك أيتها الطبيبة الشابة عائشة السعيد وأكثر الله من أمثالك!