نحن أهل القضارف دائماً ما نردد أمثالاً حسب البيئة التي تربينا فيها والمناخ المحيط بنا، لذا تجد أن أغلب أمثالنا عن المطر وقطوعات المياه وارتفاع حرارة الجو باعتبارها أشياء حاضرة في مدينتنا بصورة واضحة ومعروفة حاولنا أن نتعايش معها، وربما تكون قد تغيرت بعض الشيء إلا أنها فينا تشكل إحساساً جميلاً بالوطن الصغير رغم معاناته، وذكريات حاول الزمن أن يدفنها عبر وسائل متعددة رغم تمددها وقوة جذورها فينا. «المطرة من صبتها»، أي أننا نعرف أن استمرار المطر من عدمه نعرفه من بداية هطوله، لذا نقول هذا المثل للبدايات، تذكرت هذه المقولة الشعبية وأنا أتابع تصريحات أهل الحركة الشعبية يوماً بعد الآخر وحتى تصرفات الجنوبيين معنا في الآونة الأخيرة على مستوى التعاملات الفردية، بأن الانفصال أضحى واقعاً لا محالة، وأنا شخصياً أكثر الناس سعادة بهذا الانفصال، وربما أكثر من الدكتور الطيب مصطفى، ورغم الهجوم الذي تعرض له الرجل إلا أنه اتضح أنه على حق، وأننا كانت تسيطر علينا العواطف في غير موضعها عندما كنا نتحدث عن الوحدة وضرورتها كخيار لكل أبناء السودان. احتضنوا أهل الغرب، وجاء عبد الواحد سعيداً إلى جوبا، ومناوي الذي لا يدري ماذا يريد كان حاضراً هناك، وآخرون نعرفهم يسعون لمصالح ومكاسب ذاتية ولا يلقون بالاً لأي شيء آخر، وأفراد نكرات يدعون أنهم يدافعون عن أهل الغرب المظلوم من قبل الحكومة رغم أنهم يسيطرون حسب التقديرات على عدد مقدر من المناصب الدستورية، ولكنه صراع الأنا، طاولة للتفاكر في جوبا وأهل الحركة الشعبية يبررون بأسباب واهية وغير مقبولة، وزيارات سرية واتصالات مكوكية مع أهل الغرب البعيد وتشاور في كيفية إدارة الجنوب بعد الانفصال وقيام الدولة الجديدة، اختلاق للمشاكل وإشعال النيران كل يوم بسبب ودون سبب في أمور عادية؛ كلها مؤشرات تقول إننا في طريق الانفصال ونحن في غاية الانبساط بهذا الانفصال. تغيرت لهجة بيتر العامل البسيط معنا في الحي، وجاء بمفردات جديدة (حقارة عرب، وأنا أحسن منكم) دون أي أسباب غير أنه مشحون بتلك الأشياء، ميري أضحت لا تريد أن تأكل الفول وتدعي أن في ذلك حقارة، إحساس بالدونية غير مبرر، ظاهرة انطلقت وسط الجنوبيين في الشمال كالسرطان، لذا لا بد من رحيلهم قبل أن تحدث كارثة نحن في غنى عنها. لا يمكن أن نعيش معاً وكل المؤشرات تؤكد ذلك، لذا لا داعي للمحاولات ودعوهم يغادرون إلى غير رجعة. ولعلنا جميعاً تابعنا وشاهدنا الغل والغبن من الجنوبيين تجاهنا إبان وفاة الدكتور جون قرنق وكيف ذبح الجنوبيون أبناءنا في وضح النهار وبتفش غريب علينا نحن أهل الشمال. رعب في كثير من الأحياء، وتخوف من الخوض معهم في الحديث في كل الأحياء التي يقطنونها. صراعات مع أهل المؤتمر الوطني وتصريحات معادية وعمل سياسي غير مسؤول من كثير من قياداتهم وعكننة الأجواء السياسية، كلها أسباب تجعلنا نقول دعوهم يرحلون. أطماع غريبة في السودان، وأجندة إسرائيلية لنهب الثروات والأرض وفتح النوافذ لها عن طريق أهل الحركة الشعبية وتهديدات بعصا أمريكا والمحكمة الجنائية، كلها أسباب تجعلنا نقول دعوهم يغادرون. دعونا نحلم بشمال هادئ، مللنا تصريحاتكم وتهديداتكم وبتنا ندور في حلقة مفرغة ولا جديد لدينا، دعونا نتطور تعليمياً وعمرانياً وصحياً وحتى سياسياً، اتركونا نتنفس هواء طيباً فلقد مللنا حبس أنفاسنا لسنوات وكدنا أن نموت. حولتم حياتنا إلى جحيم وتغيرت عاداتنا وتقاليدنا وبتنا نتصارع يومياً حتى داخل البيوت وفي الشوارع وحتى في الرياضة كادت أن تحدث كوارث وأنتم تتفرجون علينا بابتسامة هادئة لأن الخطة قد نجحت، دعونا نلتفت إلى تكوين حكومة تحترم الجار ولا تؤسس لصراع جديد بأيد نعلمها لنتحول إلى فلسطين جديدة ونحتاج لآلاف السنوات للانعتاق، نريد حكومة مدركة وواعية لمهامها، قوية في قراراتها لتقف سداً منيعاً لأهل الجنوب وخططهم المكشوفة في مقبل الأيام.