{ لقد عرفتُ أمراً إيجابياً واحداً في ما يتعلق بموضوع بيوت الزراعة المحمية وهي إنها فقط تغدق أسواق الخضر بالوفرة المستمرة للخضار الموسمي ولا شك الفاكهة. أما ما دون ذلك فإنها ذات صرف عال جدا يكاد يرتفع بأسعار منتجها، في حال نجاحه ونزوله الى السوق، الى ما فوق سقف السوق! الآن السوق الجديد في الزراعة أضحى لمشاريع البيوت المحمية كموضة جديدة نزلت اليه وما زالت برنّة صوتها الساطعة والمبهرة لكثير من المستثمرين في القطاع الخاص والعام كذلك! فلم تمر بضعة نجاحات متعددة لمشاريع حكومية نفذتها شركات خاصة أو حكومية حتى نشرت كافة النشرات والأخبار تأكيد نبأ استيراد حوالي الألف - وصل منهم حتى الآن ثلاثمائة - من بيوت الزراعة المحمية ولعدد من الولايات التي تعاني من مشاكل الزراعة الموسمي.! وستبدو مواسم الزراعة المفتوحة وانتظار المطر ليروي الزرع من حكايات المزارعين المروية على قلق الأيام والليالي. وصارت النسخة المعدلة من النهضة الزراعية في السودان هي البيوت المحمية من الشركات لوزارات الزراعة في جميع الولايات. { ولو - التي تفتح باب العطاء !- لم تنجح من المشاريع التي جعلتها وزارة الزراعة الاتحادية أو الولائية مشاريع تجربة للبيوت المحمية باعتبارها جديدة على أيدي الزراعيين وخريجي كليات الزراعة بكافة تخصصاتها، فلماذا أطلقت التجربة بهذا العدد المهول على كافة الولايات الأخرى؟ دون طرح مناقشة لنسبة النجاح من الفشل و(الصاح من الغلط) لمشروع كهذا لا يتوقف الصرف المهول عليه عند استجلاب البيوت المحمية فقط إنما يستمر للمولدات الكهربائية وطلمبات تنقية المياه ومكيفات التبريد ولا شك العمالة ذات الخبرة والدراية بالتنظيف والتعقيم، ثمّ المبيدات والتسميد الخ... لكن يبدو أن المهم لدى وزارة الزراعة ليس كل ذاك إنما استمرارية ما تسميه بالنهضة الزراعية لتكون كوزارة موجودة وحديثة ومحمية! { إن الحماية الزراعية التي أنعم بها الله على أرض السودان جعلته يحصل على لقب بطل (سلة غذاء العالم) بلا منازع أو منازل محتمل مهما تغطت أراضي كثير من البلدان بالبيوت المحمية لتقيها شر الحر والجوع ونقص الغذاء. وهي حماية ناتجة من طبيعة تربة وصلاحية مياه وأيدٍ عاملة تشربت عروقها بخليط الماء والتراب لتكوّن هذه الخبرة الفطرية في مجال الأسمدة ووقاية المحاصيل بل والإنتاج الحيواني المرافق الوفي للزراعة والمزارع - ولا شك بمخلفاتها التي تكون سماد تربته الطبيعي - ناهيك عن الوفرة المطرية التي تتبخر بلا وعي وإدراك في كثير من المسطحات والترع الكبيرة دون استفادة قصوى من كل قطرة منها، وغيرها من الأسباب التي نعرفها منذ المقررات الدراسية القديمة وحتى المقررات الحياتية الحديثة التي نشاهدها ماثلة في سوق الصادر من الخضر والفاكهة السودانية الخالصة، وبالمقابل بالوارد من الخضر والفاكهة درجة ثانية المطروحة في أسواقنا المركزية كحلول وزارية لسد الفجوة الغذائية من الزراعة الموسمية! { لا يمكننا تسمية بيوت الزراعة المحمية سوى حقنة الرحمة للزراعة المكشوفة في السودان، أو على الأدق تسميتها الانتحار المحمي بقوانين ولوائح الاستيراد ومدخلات الزراعة. ولا يمكنني تبرير فتح عطاء استيراد (700) بيت محمي لإنقاذ الزراعة في ولاية كالجزيرة مثلا، دعك من ولاية نهر النيل وكسلا! ولا يمكننا التمتع بطبق سلطة خضراء مكتملة الألوان الخضرية وممتلئة العافية الغذائية وغالية الأسعار على صينية غدائنا اليومي ونحن نعرف أنه كان الضربة القاضية التي استخدمتها وزارة الزراعة لضرب المزارعين المكشوفين تحت حزام الأمان الموسمي لإرضاء شركات لم تنجح في ضرب سعر البيت المحمي على ناتج طرح إنتاجه ثم قسمته على السوق والباقي لهم أو عليهم!