يعتقد كثير من المراقبين أن مشكلة أبيي يمكن أن تعيد الحرب بين الشمال والجنوب حال عدم توصل الأطراف الشريكة في السلطة لحلول، وهؤلاء استندوا في تحليلاتهم على معطيات واقع المنطقة التي تعرضت في الفترات السابقة إلى حالات احتقان بسبب الاستقطابات التي تمت لسكانها ودُفعت بدعم من الشريكين؛ المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وعزز هذا الاعتقاد ما استعرضه د. التيجاني عبد القادر في مقال «نظرية الخطوات المؤدية إلى الحرب» مستفيداً مما طرحه الدكتور جون ساكوين الأستاذ بجامعة كولفيت نيويورك من افتراضات حول مناطق النزاع وقال إنها خطوات انتهت بالأطراف إلى حرب، ود. التيجاني أوردها باختصار وتصرف كما قال، وبحسب المهتمين فأن كل الافتراضات الواردة في هذا المقال؛ التي اشترطت ضرورة وجود «نزاع إقليمي وحليف خارجي وندية ومنافسة بين الأحزاب الداعمة للأطراف المتصارعة وسباق تسلح»؛ هي متوفرة الآن في حالة أبيي. وكما هو معلوم فإن الاختلافات تدور حول من يحق له التصويت في أبيي، التي يصر الدينكا نقوك على عدم تصويت المسيرية فيها، بينما يهدد المسيرية بأن استبعادهم من التصويت يعني عدم قيام الاستفتاء، كذلك يرى معظم المختصين في شؤون النزاعات أن قرار لاهاي نفسه كان أحد أسباب هذا الصراع بسبب حديثه الفضفاض حول من يحق له التصويت، حيث ذكر أن التصويت يحق لدينكا نقوك والسودانيين الآخرين، دون تحديد، الأمر الذي جعل المجال واسعاً أمام التكهنات والتفاسير والاجتهادات. على الصعيد الآخر شهدت هذه القضية في الشهور الماضية حراكاً داخلياً وخارجياً كثيفاً ابتدرته الأطراف المسؤولة بلقاء نيويورك أيام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي قدمت فيه أمريكا مقترح ضم أبيي إلى الجنوب مقابل تقديم حوافز مغرية لحكومة الخرطوم، وألمح باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية إلى إمكانية قبول قيادات المؤتمر الوطني بهذه الحوافز لا سيما إذا تضمنت القضايا التي ظلت تستهدف قيادة الدولة، إلا أن حزب المؤتمر الوطني اعتبر أن هذا الحديث لا أساس له من الصحة، وفي السياق أكد مراقبون كثر عدم إمكانية مساومة المؤتمر الوطني على مشاكله بمنطقة أبيي، لأنه لا يملك قرارها الذي أصبح واضحاً أنه يخص أبناء أبيي في الحزب، فيما قال ل «الأهرام اليوم» أمين تنظيم اتحاد المسيرية موسى محمدين إن خيارات الحلول الآن بيد أبناء المسيرية من خارج تنظيم المؤتمر الوطني، ولم يستبعد احتمالات الحرب التي قال إنها ضمن الخيارات المطروحة على مستوى الحلول الداخلية. وسبق أن تقدم حزب المؤتمر الوطني بمقترح جعل أبيي منطقة تكامل، وهو ما وجد معارضة من الحركة الشعبية، أرجع بعض السياسيين والمهتمين بالشأن أسبابها إلى تمسك قيادات أبيي في الحركة الشعبية بمشروع ورؤية حركتهم التي تمضي الآن نحو الانفصال، لذلك لا يريدون حلولاً خارج هذا السياق، لا سيما أن هذه القيادات تتمتع بنفوذ سياسي ومزايا أكاديمية رفيعة وتعتبر نفسها جزءاً لا يتجزأ من هذا الخيار القادم، وإذا وافقت على جعلها منطقة تكامل؛ ستكون خرجت من ثمار الاتفاق وفرطت في أطروحاتها السياسية. أما الحركة الشعبية؛ فلم تخف دعمها للمقترح الذي تبنته أمريكا بضم أبيي للجنوب، لكنها قالت إن هذا المقترح في الأصل قدمه المؤتمر الوطني عندما اقترح تقسيم المنطقة إلى جزئين شمالي وجنوبي، والمبعوث الأمريكي سكوت غرايشن عدل هذا المقترح بضم أبيي للجنوب. على صعيد الاتحاد الأفريقي ظل الرئيس أمبيكي يبذل جهوداً كبيرة لحل المشاكل العالقة بين الشريكين وفي مقدمتها أبيي، ويتحرك ما بين الخرطوم وأديس أبابا، وقال في وقت سابق «سنمنح الأطراف فرصة، إذا لم تتوصل لحل حينئذ سنقدم مقترحاتنا»، إلا أن هذه المقترحات لم تقدم حينها، ويبدو أنه لم يتوصل إلى نتيجة مع الشريكين، أو كما قال أحد المحللين إن لا أمبيكي ولا الاتحاد الأفريقي يستطيعان فرض رؤيتهما في مثل هذا النوع من القضايا المرتبطة بالأرض والسكان. إلا أنه بعد القمة الأخيرة ل (إيقاد) بأديس أبابا التي حضرها الرئيس البشير وسلفاكير؛ خرج الرئيس أمبيكي قبل يومين للإعلام متحدثاً عن حزمة مقترحات حلول قدمت للرئاسة، رافضاً في الوقت ذاته الإفصاح عنها. ويبقى السؤال: كيف ينظر المراقبون لمشكلة أبيي؟ حينما طرحت هذا السؤال على د. إبراهيم ميرغني؛ أكد ل «الأهرام اليوم» عبر الهاتف أن موضوع أبيي معقد، وهذه المنطقة هي الوحيدة التي يديرها أهلها، وهذا يعني أن لا الحركة ولا المؤتمر الوطني يستطيعان حلها، والدليل على ذلك أن وفود التفاوض في الحزبين مكونة من أبناء أبيي، ودينكا نقوك يريدون ضمها للجنوب، والمسيرية يريدون ضمها للشمال. وقال د. إبراهيم: «رغم ما يبذله أمبيكي من جهود في هذا الشأن لا أعتقد أنه يملك عصا سحرية، وفي تقديري ستظل أبيي قنبلة مؤقتة في طريق السلام، لأن حتى هذه الأطراف التي اقترحت تكوين إدارة للمنطقة لم تحدد تبعية هذه الإدارة أللشمال أم الجنوب، لذلك لا أعتقد أنها سعت لإيجاد مخرج»، ووصف مقترح أن تصبح منطقة تكامل بالمبهم. واتفق د. الطيب زين العابدين مع ما طرحه د. إبراهيم من رؤية، حينما قال إن مشكلة أبيي معقدة، لأنها تخص الأرض والسكان، مشيراً إلى أن المشكلة بدأت بحدود المنطقة التي حسمت في لاهاي رغم اعتراض المسيرية على القرار، وشملت الآن موضوع من يحق له التصويت في المنطقة، والحركة الشعبية تصر على حصره على دينكا نقوك، والمؤتمر الوطني متمسك بحق المسيرية في التصويت، وعدد المسيرية في المنطقة أكبر من الدينكا، فإذا صوتوا يمكن أن تنضم المنطقة للشمال، وهذا ما تخشاه الحركة الشعبية ودينكا نقوك. وكرر د. الطيب عبارة أن الحل صعب على ضوء تمسك كل طرف برؤيته، وأشار إلى أن أنسب الحلول هو تقسيم المنطقة إلى شمال وجنوب، الشمال يمنح للمسيرية والجنوب إلى دينكا نقوك، إذا قسمت إلى شرق وغرب، ورأسياً شمال وجنوب؛ يمكن أن يجد المسيرية منفذاً للبحر، وحينئذ سيتم التقسيم على أساس التسوية وليس الكثافة السكانية. وأخيراً يبقى السؤال: ماذا قدم ثامبو أمبيكي في مقترحاته للرئاسة التي لم يكشف عنها؟ وهل ستقنع الأطراف المسؤولة في الجانبين؟