من حُجج الانفصاليين الشماليين التي يعزِّزون بها دعوتهم أو مطلبهم بتقسيم السودان إلى دولتين إحداهما شمالية والأخرى جنوبية، أننا شعبان مختلفان. فاللغة ليست واحدة والإرث الثقافي مختلف وكذلك التكوين النفسي والديني.. إلخ. واللغة فعلاً ليست واحدة في الشمال والجنوب، ورغم غلبة اللغة العربية إلا أنها داخل الشمال نفسه ليست واحدة. وفي الجنوب أكثر من لغة أو لهجة لكن وحدة اللغة ليست شرطاً في الشعب الواحد ومن أكثر الشعوب استقراراً ويقيناً الشعب الكندي والشعب السويسري والشعب البلجيكي. وفي كل من هذه الشعوب أكثر من لغة ويقولون إن مجلس الوزراء البلجيكي يُدار بلغتين. ورغم اختلاف اللغة أو تعدُّد اللغات في كندا وسويسرا وبلجيكا، إلا أن شعوب هذه الأقطار سجّلت نسبة معقولة من التماسك الوطني وانصهار الأعراق، وكان وجود الحركة الانفصالية في إقليم كويبك الكندي هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة كما يقولون. ويرى البعض أن تعدُّد اللغات في السودان كان من الأسباب التي دفعت الجنوبيين أو كثيراً منهم إلى دخول الغابة ومحاربة الحكومة المركزية بالخرطوم والجيش السوداني ثم تأسيس حركة أنانيا ومن بعدها الحركة الشعبية عام 1983. وقد اعتمد الجنوبيون اللغة الإنجليزية لغة رسمية لدولتهم المرتقبة وهي لغة الصفوة القديمة. أما الآن فإن أعداداً مقدرة من الجنوبيين تتحدث العربية بطلاقة ثم إن غمار الناس هناك من مختلف القبائل يتحدثون ويتفاهمون بالعربية أو ما يُسمى ب(عربي جوبا). ولذلك كان العملي هو أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية ونكتب ذلك من باب أننا مازلنا شعباً واحداً مقيماً في وطن واحد، ومن باب أن استمرار اللغة العربية في الجنوب سوف يساعد في استعادة الوحدة فيما بعد إذا ما كُتب لها الانهيار بعد الاستفتاء. ورغم أن العرب هم مادة الإسلام كما نُسب إلى الخليفة العادل المُنجز عمر بن الخطاب ورغم أن اللغة العربية هي لغة القرآن إلا أنها لا تعني أن متحدثها مسلم أو متعاطف مع الإسلام وهي لغة المسيحيين العرب. وكان لهم فضل كبير في نشرها وتحديثها. وهي رغم كل ما يُنسب إلى أهلها من مظالم وأخطاء ارتكبت في حق الجنوب والجنوبيين أقرب إلى الجنوبيين من لغة آتية من أقصى شمال الكرة الأرضية. وقال لي صاحبي «أنت تتحدث عن مستحيلات وخيالات ثم ألم يلفت نظرك أن الرئيس هناك لم يُشاهد إلا بالبرنيطة وأن تخيله حاسر الرأس أو بالعمة أو حتى الطاقية ليس وارداً بالمرة. ومؤكد أنه يرمز بذلك إلى رفضه الحاسم الثابت للغة العربية وللعرب ولكل من يمِت لهما بصِلة». والخلاصة أن اختلاف اللغة ليس سبباً لتقسيم الوطن، واختلاف الدين أيضاً. فهناك في أوطان كثيرة أديان متعددة وقد شهدت هذه الأوطان أيضاً قدراً وافراً من الاستقرار والوحدة الوطنية وما أكثر الأمثلة.