تحل اليوم الذكرى الاولى لرحيل الأستاذ نجم الدين محمد نصر الدين، وبهذه لمناسبة نعيد نشر الكلمة التي كتبتها بُعيد رحيله الفاجع. في الثامنة من صباح (الأربعاء) الثاني من ديسمبر العام الماضي أسلم صديقي وأنيسي الرفيع المحامي، والكاتب والمثقف الموسوعي، نجم الدين محمد نصر الدين، الروح إلى بارئها في مستشفى (القصر العيني) بالقاهرة، التي ذهب إليها مستشفياً قبل يومين من رحيله الفاجع الذي شقَّ علينا نحن أصدقاءه ومحبيه وأهله وزملاءه وعارفي فضله. وبفقده أحسست أن نجم الدين أخذ معه جزءاً عزيزاً من روحي.. ومضى إلى الأبد. كان الراحل العزيز، بالنسبة لي، أخاً كبيراً وأستاذاً وأباً، كان نسيجاً فريداً من البشر، فقد كان نهراً من الحنين، وحديقة غنية من المعارف، ومهرجاناً من الفرح، وينبوعاً صافياً للسخرية التلقائية، وساحة فسيحة للمرح، وكان يتمتع بصفات نادرات قلَّ أن توجد لدى غيره ممن عرفت: روح غنية بحب الناس والخير، سريرة نقية؛ نقاء الصوفي، كرم فطري تحسه يهبه لكل الناس من يعرف منهم ومن لا يعرف، وبساطة، من فرط عاديتها، غدت عنواناً لشخصيته، رجل يتّسم بشجاعة نادرة تجلت في مواجهته لداء الفشل الكلوي الذي عجَّل برحيله، وفي مواقفه المصادمة للشمولية والقهر والاستبداد، كان يقابل كل ذلك بضحكته الأنيقة الصافية التي يتعرف عليه الآخرون من خلالها. كان الراحل العزيز نجم الدين محباً لأهله وأصدقائه ومعارفه وزملائه حب أم لأطفالها، وكان كريماً معهم، يبكيه أبسط ما يحلُ بهم، وتتهلل أساريره فرحاً لما يفرحهم، لم أرَه قط طوال سنوات معرفتي به، التي امتدت لنحو عشرين عاماً، يسيئ إلى أحد، أو تخرج منه مفردات جارحة، أو دخل في خصام شخصي مع من يسيئون إليه، على كثرة ما تعرض له من حيف ونكران جميل، وكان يواجه كل ذلك بابتسامته الوضيئة تلك التي تذيب الحجر، وكان من اللافت لزائري مكتبه تعامله مع الساعي الوحيد الذي عمل معه لنحو عقدين من الزمان (عبدو)، حتى ظنه الكثيرون فرداً من أفراد أسرته، لتبسطه معه ومعاملته له بحنو يماثل تعامل من له به صلة رحم. وكان مكتبه بشارع الجمهورية محجّاً لأصحاب الحاجات، لم يكن الراحل العزيز ثرياً ثراء من ينفقون بغير حساب، لكنه كان ثري الروح والفؤاد فكان ينفق على أصحاب الحاجات حتى آخر قرش في جيبه دون أن يتردد في قضاء حوائجهم، وبسعادة غامرة، تسعد حتى من يراقبه وهو يفعل الخير. نواصل