أسودت الدنيا في عيني لما حمل إلىّ صديقي محيى الدين الفاتح بنبأ رحيل أخي وصديقي معتصم محمد سرور.. لحظتها أحسست بمطر مالح يهطل في خنجري.. غمرتني كآبة مسحت كل لحظة جميلة.. سكنت في دواخلي.. وأفرغت كل الأفراح.. فالفرح من بعد سليل البضعة الطيبة كسيح والجمال قعيد.. فالفتى الطيب كان يجمل الحياة بإبداعه شاعراً رقيقاً مرهفاً رضع لبناة الشعر من طابت الأستاذ الشيخ عبد المحمود.. فالفتى الطيب المملوء بالجمال نهل فيوض الإبداع من والده الصوفي المتبتل شيخنا محمد سرور.. فمن مشكاة البيت الطيب خرج معتصم الانسان الشاعر الرقيق ومن طابت عكاظ الشعر.. غنى معتصم للحياة وللجمال.. وفي حنتوب الثانوية صدح فأطرب النيل والرمال.. فالغناء عنده أستفراق وتبتل.. عنده رسالة نبيلة.. عنده تحليق في سموات الإبداع في رابطة القلم الأخضر أو في أي مربد كان.. عنده الإبداع رسالة تحمل الحياة والاحياء لا للتكسب كان يصنع الإبداع كان معلماً خلوقاً وفناناً مبدعاً يحب الناس والحياة ويحبه الناس.. لأنه خادماً لهم وعوناً لهم.. دخل إليهم من بوابة الدنيا كنسمة رقيقة وفارقهم كما دخل في الشهر المعظم.. ودعهم بعد أمهم في صلاة التراويح في الشهر المعظم رحلت الروح الشفيفة انسرقت كنسمة لدنة.. فخلفت حزناً مميتاً .. خلفت دموعاً مالحة وصراخاً أخرس.. رحل معتصم سرور في الشهر المعظم خفيفاً فكان رحيله فاجعة في قلب وجرحاً في كل كبد.. فرحيله رحيل أمة وموت دنيا فقد كان بيننا معتصم الرقيق الرحيم الباسم الضاحك.. كان بيننا معتصم الذي لا يغضب ولا يحقد ولا يؤذي.. كان بيننا معتصم الناسك المتبتل.. معتصم الزاهد الكريم الجواد.. كان بيننا معتصم الأديب المبدع الانسان الخلوق العفيف الطاهر اليد العف اللسان.. رحل عن دنيانا الفانية فبرحيله رحل جمال الروح والجوهر رحل الصفاء والنقاء غيب الموت ظاهره انسانية نادرة.. فمن بعدها لم يبق زمناً أسبق ونوافذ مفتوحة على سراديب الحزن.. فرحيل المعتصم فقد لطابت وللاطفال ولسوح حلقات الذكر والعلم .. فقد لطلابه ولمحبيه ولزملائه ولمعارفه.. ولاصدقائه الكثر.. وفقد للقصيد وللإبداع.. فالموت أفقدنا العقل الراجح المتزن.. أفقدنا النموذج الانساني.. أفقدنا الصديق الذي يسأل عنا إن غبنا عنه.. أفقدنا الحبيب المتسامح الذي يتحمل كل هفواتنا واسقاطاتنا فقد كان قلبه شاسع يسع الجميع. فشهادتنا انه كان كبيراً وكان رؤوفاً ورحيماً نشهد له بانه كان يحب الناس ويحب الخير للناس.. نسأل الله له المغفرة والرحمة والقبول الحسن والسكينة نسأل الله أن ينزله الفردوس الأعلى مع الشهداء والصديقين ويورده الكوثر ويجعل قبره روضة من رياض الجنة.. فالموت حق وانك ميت وهم ميتون.. إنا لله وإنا إليه راجعون..