{ هناك مرحلة من الألم، حين نصلها تموت مشاعرنا إكلينيكياً. فلا تتحرك بعدها بفعل أي تأثير، مهما حاولوا معنا سلبياً أو إيجاباً، وهذا هو حال بطلتنا، فقد كانت قبل الصدمة الأولى، أنثى، ولم يتبق فيها بعد عنف هذه الصدمة أثر للأنوثة، لأن بعض الصدمات تنسف جنس المرأة، وتحولها إلى آلة وأحياناً إلى.. رجل، وجنس الرجولة ليس بالضرورة كلمة «ذكر»، لهذا نجد أن بعض النساء رجال، وبعض الرجال.. نساء. ٭٭٭ أحياناً تُرعبنا فكرة الموت المفاجئ واحتمال أن يعبث أحدهم بخصوصياتنا بعد الموت فينكشف المستور الذي خبأناه زمناً، وبناءً على هذا الرعب نعمد لتمزيق الأوراق، والرسائل القصيرة، وياله من مضحك أمرنا!، فنحن الغلابى البسطاء أسرارنا «مسجات» وورق. ٭٭٭ في حكايات الخيال والأطفال يخون الديك الدجاجة التي تبيض الذهب مع الدجاجة التي تبيض البيض! فديك الأساطير الخيالي هذا «رومانسي»، أما الحكايات الواقعية فيخون فيها الديك الدجاجة التي تبيض البيض مع تلك التي تبيض الذهب، لأن ديك الواقع «مادي» ويعلم أن المنطق يدفعه لتفضيل «الذهب» الذي «يذهب» بعد حين! ٭٭٭ هو دائماً ضلعها، تستمد منه قوتها وشموخها واستقامتها رغم أنه «أعوج»، أهداها الخذلان في مواقف عديدة، وأنحنت كثيراً، وكسر الألم ضلوعها، حتى لم يعد بها سوى ضلع أعوج، كان هذا الضلع «هو». ٭٭٭ وكأن وسائدنا صُنعت للحزن، وصُنعت وسائدهم للخيانة. ففي الوقت الذي بكته بالدمع المدرار، وناوشها حنينها إليه حتى عطّرت وسادتها بدموعها شوقاً، كان هو يعطر وسادته في بعاده عنها لاستقبال أخرى تملأ فراغه العريض. ٭٭٭ فقط لو أنهم، بعد أن يمارسون ضدنا الجحود والخذلان يسحبون خلفهم بقاياهم وذكرياتهم وهم يغادرون عالمنا فلا يبقى لنا منهم أثر، ولو أننا نستطيع أن نستيقظ من إدماننا لهم كاستيقاظنا من حلم طال ليله فلا نجد بعدهم من البقايا والذكريات ما يؤرّخ مرورهم المرير في حياتنا، لو أنهم يتوارون كالظلال عند المغيب، لو أنهم يتركون لنا حرية الخيار في الشفاء منهم، «لو»، ولكن هيهات. ٭٭٭ توقفت عن سماع الأغاني منذ زمن، بحكم أعبائي والمستجدات التي طرأت على حياتي وبدّدت وقتي بين إلتزامات لا يدخل زمني الخاص ضمنها، ورغم ذلك يراودني حنين هذا المساء إلى صوت «فيروز». فيروز يا فيروز، صوتك الناي والليل والبكاء والشجن، وتفاصيل أحزان تعرفني وأعرفها، وحكاية تتحدى الزمن. دعيني يا «فيروز» لآمرهم، فما عدت أملك أمري، ولا أهنأ بمتعة إنصاتي إليك في هدأة الليل وأنتِ تهدهديني فأركن إلى النوم بين يديك وتظلين ترسلين ألحانك حتى إلى أحلامي، دعيني، فبصوتك يصبح الحزن أكبر، والحنين أكبر، والهم أثقل، والليل يا «فيروز» أطول. { تلويح: شايف البحر شو كبير؟..!! أم تراك لم تر البحر بعد يا ابن النيل؟!