الأخبار التي (حملتها) صحف أمس؛ بخصوص مطالبة نوّاب في الكونغرس الأمريكي الرئيس باراك أوباما بإيفاد وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية الأسبق كولن باول، والسيناتور السابق جون دانفورث، إلى السودان على جناح السرعة؛ توقع البعض أن تنجب ردَّ فعلٍ موازياً للاهتمام العام بتلك الزيارة غير المؤكدة. المؤكد هنا بالطبع أنَّ ثمة سؤال منفلت يخص الزيارة: لماذا اختار (الكونغرس) هؤلاء الأشخاص تحديداً للوقوف على الأوضاع في السودان، وهم الذين يوسَمُون بكونهم الأكثر تشدداً بخصوص العلاقة مع حكومة الخرطوم؟ هل هو إيذان بسحب الستار والإعلان عن نهاية عرض اتفاقية السلام باعتبار أنهم صنّاعها الحقيقيون، والأبطال الذين يجب أن يظهروا في الحلقة الأخيرة؟ أم يريدون الضغط على الحكومة السودانية لدلق المزيد من التنازلات على أكفهم؟ أم أنهم سائرون على طريقة المثل السوداني الشهير (القفة أم اضنين بشيلوها نفرين) في حال تعرَّض السودان للانقسام؟ هى أسئلة ظلت تائهة على المدى البعيد، فطبيعة تلك الزيارة المتخلِّقة التي لم يتم التأكيد عليها من قبل الحكومة الأمريكية، وتجاهلتها الخرطوم؛ لا شك أنها إذا صدقت فستكون المهمة الأخيرة لمجموعة بتلك الخطورة، لا أحد يعلم ما الذي يجمعهم في هذا الوقت تحديداً!! فوزير الخارجية الأميركي الأسبق، كولن باول، وبعد زيارته الشهيرة إلى إقليم دارفور في العام (2004)، أكد أن هناك إبادة جماعية جرت في دارفور بغرب السودان، وأن حكومة الخرطوم وميليشيا الجنجويد تتحملان المسؤولية، مشيراً إلى أن هذه الإبادة ربما كانت وما زالت جارية، بينما دانفورث، ذلك القسيس، كان مبعوثاً للرئيس السابق بوش الابن إلى السودان، وهو أحد صنّاع اتفاقية السلام في العام (2005)، أما وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري، فهي الأخرى تسبح في فضاء كيل الاتهامات للحكومة السودانية، بخصوص أزمة دارفور والعلاقة مع الجنوب. الوفد سيمضي إلى التأكيد للسلطات السودانية - على أعلى مستوى - أن الولاياتالمتحدة بوصفها الضامن لاتفاق السلام الشامل، لن تقبل بأقل من التنفيذ والاحترام الكامليْن للاتفاق من أطرافه كافة. وكتب النواب بالكونغرس: فرانك وولف، ومايكل كابانو، ومايكل ماكول، ودونالد بين؛ خطاباً إلى الرئيس أوباما أمس الأول، مذكِّرين فيه بأن «تقويم الخطر السنوي» الذي تجريه وكالات استخبارية أمريكية، حذَّر من «موجة قتل جماعي يحتمل أن تقع في جنوب السودان خلال السنوات الخمس القادمة»، وأشار الخطاب - حسب موقع نيو ميديا نايل - إلى أن التحذيرات هذه مرجَّح وقوعها في السودان بقوة، أكثر من أي بلد آخر، مطالبين في الوقت ذاته بتفادي «هذه الفظاعات» بأي ثمن. مدير الإدارة السياسية بالقصر الجمهوري، السفير عثمان نافع، وصف ذلك الخبر بأنه بالون اختبار لمعرفة رد الفعل في الخرطوم، والتصرف على أساسه، وقال إنه تمَّ تسريبه بقصد جسّ النبض. وحول تجنُّب الوفد عقد لقاء مع رئيس الجمهورية في حال تأكدت الزيارة، ومنح الوفد التأشيرة؛ يقول السفير نافع إن مثل هذه المسائل غير المقبولة ستخضع للدراسة، مشيراً إلى أن الحكومة السودانية بصدد تغيير طبيعة التعامل مع الدول التي تتصف بمثل ذلك المنطق العدائي، ووصفه بأنه لن يكون تعاملاً بحسن نية، وأضاف أن تلك الزيارات لا تفيد ولا تساعد في تنفيذ اتفاقية السلام، ولكنه استثنى بعض دول الاتحاد الأوروبي التى ليست لها مواقف عدائية ثابتة تجاه الخرطوم، وأشار إلى أن العمل الدبلوماسي فيه المعاملة بالمثل. نافع وصف مواقف كولن باول مع السودان بالمتضاربة، وقال إنه عندما زار الخرطوم اعترف بعدم وجود إبادة جماعية، وبمجرد أن طار إلى واشنطن تحدث عن وجود إبادة جماعية في دارفور، وأبدى السفير استغرابه لما يجمع بين هؤلاء، وأكد أنه لا داعي لهم، لأن أمريكا لديها مبعوثون في السودان، لا زالوا يقومون بمهامهم، وأشار إلى أن الحكومة بصدد اتخاذ قرارات تلجم هذا العداء، وتحفظ لها كرامتها، وتحفَّظ في ذات الوقت على التفاصيل والخطوات التي ستتخذها الحكومة حيال ذلك الأمر. أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، الدكتور صفوت فانوس، وصف تلك المجموعة المختارة بأنها تنتمي إلى مراكز الضغط الأمريكية، وقال إن رأي أمريكا هو أن الحكومة السودانية لا تستجيب، ولذلك قرروا إرسال ذلك الوفد، كما أن هؤلاء بيننا وبينهم التاسع من يناير، حيث سينتهي المدى الزمني للاتفاقية، وتصبح لا ضرورة بعد ذلك لبقاء القوات الدولية التي إذا انفصل الجنوب فليس هناك سبب لوجودها. وأشار فانوس إلى أن الأمريكيين بالطبع يتذكرون بروتوكول أبيي الذي لم يأت من اتفاقية نيفاشا، أو بمبادرة من أحد الشركاء، وإنما هو مقترح وصناعة أمريكية (100%) وربما يكون لديهم شعور بالذنب لأن ذلك الاتفاق غير قابل للتطبيق، بالرغم من أن أمريكا لا تشعر بالذنب، وإنما لا تزال لهم أيدٍ فاعلة بخصوص البروتوكول، ولكن الشاهد أن أمريكا ترعى مصالحها، ولا تهتم بمصالح السودان، وتعمل على بسط سيطرتها على المنطقة، ومضى صفوت إلى أن حكومة المؤتمر الوطني بالنسبة لهم مانعت وتُمانع وترفض الهيمنة الأمريكية، وهم بذلك سيلتفتون للشمال بشكل كبير بعد الجنوب، وذلك عبر أزمة دارفور، وسيعملون على تفعيل ملف الجنائية، وقال إنه لا يتوقع من هذا الوفد إلا الضغط ورعاية المصالح الأمريكية ومصلحة الدولة الجديدة الناشئة في جنوب السودان، التي تمثل وليداً شرعياً لسياستهم في أفريقا. وبخصوص عدم مقابلة ذلك الوفد لرئيس الجمهورية المشير عمر البشير؛ توقَّع فانوس أن يرفض البشير مقابلتهم، وليس العكس. وبينما تظل تلك الرسالة الموجهة إلى أوباما لتجميع الصقور في (طائرة) واحدة، ربما تتجه عاجلاً إلى الخرطوم؛ مجرد مقترح من قبل الكونغرس، قد لا يكون ملزماً، لكن تظل التكهنات بما يمكن أن يحدث في طي المجهول.