لتلافي حدوث إبادة جماعية وقتل جماعي جديد خلال الخمسة أعوام المقبلة في جنوب السودان وفق توقعات تقارير إستخباراتية أمريكية صدرت في وقت سابق من هذا العام ، أرسل « الكونغرس « الأمريكي خطاباً مشتركاً من قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري قُدم للرئيس الأمريكي باراك اوباما أمس الأول طلب فيه إرسال وفد دبلوماسي عالي المستوى ترأسه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وعضوية وزير الخارجية السابق كولن باول والسيناتور السابق جون دانفورث .مهمة الوفد النظر عن قرب لتطورات الوضع في السودان ، ويرشح التقرير الإستخباراتي الأمريكي السودان لحدوث ذاك العنف بإعتباره أكثر من أي بلد آخر يواجه هذا وزاد «علينا تجنب مثل هذه الفظائع ، وتجنب تكاليف وقفها « . جاء خطاب قادة الكونغرس في هذا التوقيت لدنو أجل الإستفتاء وجاء فيه « مع إستفتاء جنوب السودان بعد أسابيع قليلة فقط نرى دعوة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية السابق كولن باول والسيناتور جون دانفورث إلى الذهاب للسودان في أقرب وقت ممكن للإتصال بأعلى المستويات ولإبلاغهم حرص الولاياتالمتحدةالأمريكية على تنفيذ إتفاق السلام الشامل ولتأكيد أننا لن نتسامح مع أي شئ أقل من تنفيذ الإتفاق بشكل كامل وإحترام نتائجه من قبل جميع الأطراف المعنية « . ولمّا كان النظام السياسي في الولاياتالمتحدة رئاسياً، وأن السياسة الخارجية يقودها الرئيس وهذا الأخير يحتاج إلى الكونغرس في حال قرر شن الحرب، وفي تمويل هذه الحرب أو غيرها من السياسات التي يقرها، لكن في غالب الظن أنه لن يحتاج إلى الكونغرس في مثل الموافقة على خطاب بخصوص إرسال وفد إلى السودان ومن حقه عدم الإستجابة للخطاب ، ففي رأي مدير الإدارة الأمريكية السابق في وزارة الخارجية الرشيد أبوشامهة الذي قال « للصحافة « : « من الممكن ألا يرد أوباما على خطاب الكونغرس وذلك لتحجيم إراداة الجمهوريين الذين فازوا بأغلبية في مجلس النواب في الإنتخابات النصفية الأخيرة « . فيما إعتبر مصدر دبلوماسي مطلع إرسال خطاب للرئيس الأمريكي من قبل بعض النواب أمر روتيني وقال « للصحافة « : « لا يمكننا التكهن برد الرئيس أوباما على الخطاب وتصديقه على أمر الزيارة أم لا ، غير أننا نرى أن الزيارة مهمة إن تمت نسبة لما يتضمنه الوفد من عناصر مؤثرة « . وزاد المصدر « الذين قدموا الخطاب لأوباما هم قلة من مجلس النواب وليس من أعضاء الكونغرس « . وعلى الرغم من أن الحزب الديمقراطي قد خسر في مجلس النواب في إنتخبات نوفمبر الماضي النصفية غير أن السياسة الخارجية لم تكن قط من أسباب خسارة حزب أوباما لمقاعد مجلس النواب فهي غائبة تماماً من لوائح الوعود الإنتخابية للفائزين أو المهزومين من الحزبين ولأنه ليس ثمة خلافات جوهرية بين الحزبين في هذا المضمار تجعل المعركة الانتخابية وكأنها بين رؤيتين للسياسة الخارجية لاسيما في الشرق الأوسط .فيما بيد أن الأمر مختلف بالنسبة لسياسة الإدارة الأمريكية الخارجية تجاه السودان الذي تفصلنا بضعة أسابيع من الموعد المضروب منذ ستة أعوام في ضاحية نيافشا حينما وقعت إتفاقية السلام الشامل في العام 2005 لإستفتاء أبناء جنوب السودان حول تقرير مصيرهم ، وبدا أن الولاياتالمتحدة ممثلة في مجلس الكونغرس هذه المرة في سباق محموم مع عامل الوقت فها هي تستجمع كل جهودها في مزيج من الحزبين الكبيرين وظهر جلياً أيضاً من إرسالها من وقع عن الإدارة وقتذاك على إتفاقية السلام - وزير الخارجية الأسبق كولن باول - بالإضافة لمهندس الإتفاقية مبعوث الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش للسودان جون دانفورث ، إذاً جاء الجميع ليؤكدوا أن الإدارة الأمريكية لن تسمح بغير تطبيق كامل لإتفاقية السلام بما فيها إستفتاء منطقة أبيي التي تشكل حجر عثرة في طريق تفاوض شريكي الحكم في السودان ولأجل ذلك طلب الكونغرس إبتعاث دانفورث ، ربما للتذكير بمقترحه المقدم عهدذاك -2004 - لوضع حل للنزاع حول تبعية المنطقة أو هكذا بدا . جاء في المقترح الذي عُرف بمبادئ الاتفاق بشأن أبيي حيث وصف المقترح منطقة أبيي باعتبارها جسراً للتواصل بين شمال السودان و الجنوب و احتوى مقترح دانفورث تفصيلات لحل الأزمة في جوانب مختلفة منها السياسي الذي يتعلق بكيفية الإدارة وصولاً إلى المشورة الشعبية المفترض القيام بها عقب الانتخابات العامة القادمة في أبريل من العام 2010م و منها السياسي الذي يحدد الصلاحيات للأجهزة المختلفة في منطقة أبيي وصولاً إلى الاقتصادي (النفط) في الثروة و طريقة تقسيمها على المكونات المختلفة حيث أعطت الحكومة الاتحادية 52% و حكومة الجنوب 42% و ولاية بحر الغزال 2% و ولاية جنوب كردفان 2% و 1% لدينكا انقوك و 1% لمجموعة المسيرية و اشتملت وثيقة دانفورث على الهيكل الإداري الذي بموجبه منحت المنطقة وضعية خاصة حيث نصت على قيام مفوضية لتحديد حدود أبيي و مهمتها تحديد و ترسيم حدود منطقة مشيخات دينكا نقوك التسع التي حولت إلى كردفان في العام 1905م .بيد أنه ثمة رأي آخر يفسر الزج بقيادات سابقة في ملف إتفاقية السلام في هذا التوقيت من بغية الضغط على حكومة الخرطوم لإلزامها بالإيفاء بكل بنود الإتفاقية وهذا ما أكده أبوشامة قائلاً : « إختيار عناصر سبق وأن تعاملت مع ملفات السودان من قبل الكونغرس في هذا التوقيت لم يكن عبثاً بل لأغراض واضحة وهي تذكير الحكومة بعدم التلاعب بتفيذ الإتفاقية ، بالإضافة للإستفادة من وزن الخبراء السابقين من ناحية تاريخية بإعتبار أنهم شهود وموقعون على كل تفاصيل الإتفاقية « . تأتي تحركات الكونغرس تلك في وقت يستعد فيه مبعوث أوباما الشخصي للسودان سكوت غرايشن لزيارته الثالثة والعشرين منذ توليه مهمة المبعوث الخاص للسودان من أجل تقريب وجهات النظر بين الشريكين في الحكم في القضايا محل الخلاف وغير خفي على أحد إهتمام الولاياتالمتحدةالأمريكية المتعاظم بإجراء الاستفتاء في موعده على الرغم من أنها لم تكن الدولة الوحيدة الموقعة على الإتفاق فهناك دولة النرويج والمملكة المتحدة وشهادة دول أخرى كإيطاليا ،بيدأن غرايشن أكد أن الالتزام الأميركي بالسودان بعيد الأمد، وأنه ينصب في إطار الاهتمام الأميركي الأوسع بأفريقيا وحذر في حوار مع « الشرق الأوسط « من مزيد من التفكك في السودان وقال : الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي يريدون رؤية هذه الدولة في سلام. لأنه في حال لم تستقر وبدأ النزاع مجددا، ستكون هناك تداعيات من القاهرة إلى كيب تاون ومن جيبوتي إلى دكار. نريد أن نعمل من أجل إنقاذ الأرواح وإعطاء الأطفال فرصة لمستقبل أفضل من تلك التي كانت لدى أهاليهم، فمنذ عام 1956 والسودان في حال نزاع « . وجاءت تحركات رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي جون كيري في هذا الإتجاه أيضاً عندما زار الخرطوم بداية الشهر الماضي حاملاً في حقيبته حزمة من المقترحات الأمريكية تتعلق بالقضايا الخلافية بين شريكى اتفاق السلام الشامل فى السودان، حزب المؤتمر الوطنى الحاكم والحركة الشعبية، غير أن مراقبين يرون في حماس الكونغرس لإجراء الإستفتاء وعدم تأجيله الإسراع بإعلان إنفصال جنوب السودان تحقيقاً لرغبة بعض النافذين من قادة الكونغرس وهو ما أكده الرشيد أبوشامة قائلاً : « توجد لوبيات كثيرة داخل الكونغرس من مصلحتها فصل الجنوب ، كما أن بعض القيادات الجنوبية تربطها علاقات طيبة مع بعض قادة الكونغرس» . نقلا عن صحيفة الصحافة السودانية 6/12/2010م