هناك العديد من الدلالات النسائية التي يعتمد عليها مجتمعنا السوداني في تقييم موقع المرأة من السعادة الزوجية والاستقرار، وإذا كانت الصحة العامة ونسبة اعتدال المزاج والأصوات المتصاعدة من منزل الزوجية والحديث الذي تطلقه الزوجة نفسها حول أوضاعها وعدد المرات التي شوهدت فيها تجرجر أبناءها صوب بيت أهلها، والانطباع الواضح في شكل التعامل بينها وبين شريكها خارج المنزل وفي المحافل الاجتماعية، إذا كان كل ذلك مما يمكن الاعتماد عليه في إصدار ذلك التقييم، فإنه ومن أهم وأبرز الدلالات التي يمكن الاعتماد عليها تماماً هو مدى اهتمام المرأة بتفاصيل شكلها الخارجي ونسبة عنايتها بنفسها ومحاولة تحسين مظهرها عموماً والاستماتة في إبراز لمحات جمالها قدر الإمكان، وما من شيء يضمن لك تقدير كل ذلك أكثر من.. «الحِنّة». ولا أعرف تماماً التاريخ الحقيقي لهذه «الحنة» التي سادت وتسيدت وسطت على أوضاعنا النسائية، وكثيراً ما أتساءل عن هوية تلك المرأة العبقرية التي اخترعت حكاية «الحنة» هذه وتفاصيل اكتشافها لهذه الكيفية والمراحل التي مرت بها المسألة حتى بلغت هذا الحد من الانتشار والابتكار فباتت فناً رفيعاً وحضارة قائمة بذاتها وصناعة رائجة ومربحة لا يمكن الاستغناء عنها ولا يصيب سوقها الكساد أبداً. ومع إرهاصات المناسبات السعيدة العامة والخاصة، تأتي «الحنة» على رأس قائمة الأولويات التي تفرد لها الميزانيات من حُر مالنا غالباً ويخصص لها وقت معين مع تمام الحرص على الإلتزام به. ولا يمكن لأي امرأة مهما كان مستوى ثقافتها ووضعها المادي أن تتنازل طوعاً عن «الحنة» في مناسبات الزواج والأعياد ما لم يكن لديها مبرر قوي ومقنع كوفاة عزيز لديها مثلاً أو إصابتها بمرض لا تتواءم معه طقوس «الحنة»، أما ما عدا ذلك فإن ظهورها دون بريق «الحنة» اللافت سيدخلها دائرة الضوء والنميمة وسيتم تصنيفها مباشرة كزوجة تعيسة تعاني في حياتها الزوجية الأمرين بالقدر الذي يجعلها منصرفة عن العناية بنفسها ولا رغبة لها في زينة أو «حنة» ربما من باب المزاج العام أو عقاباً لزوجها أو بداية للمضي قدماً في طريق الانفصال وخروجها عن ملة الزوجات. لهذا - ورغم مشاغلنا وقناعاتنا المستهجنة - ترانا نحرص جميعاً على الحفاظ التام على هذا (البرستيج) النسائي المهم، ونهدر أوقاتنا بالساعات الطوال في الخضوع لسطوة «الحنة» و(الحنانة) كسيدة مهمة جداً في حياتنا يتحكم مزاجها وذوقها في إبراز جمالنا والتعبير عن أوضاعنا الاجتماعية والنفسية بأكملها، وهذه (الحنانة) في الغالب سيدة تشعر بأهميتها فتمارس دلالها علينا، ونستميت نحن في استرضائها ومد جذور التواصل الحميم معها باذلين احترامنا ومعربين عن امتناننا وتقديرنا لخدماتها الجليلة عساها ترضى فتصطفينا وتمارس النقش على جلودنا بشيء من الود والإخلاص فنحوذ على إعجاب الغير ونصنّف تصنيفاً إيجابياً في نظرهم فيكون ما أهدرناه من وقت ومال قد أوتي أكله وأراحنا من مغبة الاستفسار. هي إذن، سطوة، بالقدر الذي يدفعنا لإفراد الميزانيات واحتمال الانتظار الطويل في صفوف الحنانات حتى وقت متأخر من الليل وأحياناً حتى الساعات الأولى من الصباح في مواسم الأعياد، لنعود الى بيوتنا مخضبات بأشكال مختلفة ومنهكات دون أن تعنينا عاصفة السخط التي سنجابهها من أزواجنا الذين لا يقدرون حجم تضحيتنا في سبيل إرضاء المجتمع والمحافظة على كياننا الأسري بهذه «الحنة» التي غالباً ما لا تستوقف معظمهم ولا تلفت انتباههم فلا يحركون ساكناً ولا يطلقون عبارة إعجاب واحد في دلالة جديدة واضحة على ما ينالنا من معشر الرجال بلا مبالاتهم وعدم إدراكهم للحقائق. { تلويح: برغم المعاناة، إحرصي عزيزتي على الاستسلام لسطوة «الحنة» لتجنبي نفسك القيل والقال وترضينها على الأقل.