يكاد لا يخلو يوم ولا تخلو فضائية من استضافة السيد أتيم قرنق، نائب المجلس الوطني والقيادي بالحركة الشعبية، ولقد تمكن هذا الرجل خلال هذه الاستضافات من بث المزيد من الكراهية بتركيزه على القضايا المختلف حولها وبمعالجاته الإثنية الحادة وهو يرسخ دائماً أن الجنوبيين مواطنون من الدرجة الثانية! والمدهش أن السيد قرنق ذاته هو من يدعو بقوة إلى «الجنسية المزدوجة»، ولا أدري لماذا يرهق الرجل خيله للاستحواذ على جنسية بلد تجعله مواطناً من الدرجة الثانية؟! إنها لعمري ازدواجية المعايير التي ظلت تلازم الحركة منذ قدومها! وليعلم الرجل قرنق، وليعلم الآخرون إذا أرادوا الجنسية السودانية فعليهم أن يذهبوا إلى صناديق الاستفتاء لينتخبوا «خيار الوحدة»، أما في حالة اختيارهم الانفصال فسأضمن لهم الاستمتاع «بجنسية دولتهم الجديدة»، لكن في المقابل لن يستمتعوا بجنسية البلد التي ركلوها بالأقدام! والقصة كلها، للذين لا يقرأون التاريخ القريب ولا يأخذون بثقافة المؤامرة «والغافل من ظن الأشياء»، القصة هي أن الحركة الشعبية تجد حرجاً شديداً وهي تترك وراءها «قطاع الشمال»، الشماليين الذين استخدمتهم الحركة لعقود عديدة في حربهم مع الشمال تحت مسوغات «السودان الجديد»، يتامى التاريخ والثورات والنضال، فهي تريد قبل الانفصال أن تصنع لهم «حركة شعبية» في الشمال! بمعنى آخر أن يحكم السيد باقان الجنوب وينتدب السيد عرمان لحكم الشمال! (ودي على هامان يا باقان؟)! ودعك من «السودان الجديد» فهل تمكنت الحركة الشعبية خلال خمس سنوات أن تصنع «جنوباً جديداً»؟ فلقد أعطيت المال والجنوب والرجال والوقت! فما هو الجديد في الجنوب؟ وهل افتتاح «البارات والبنوك الربوية» والحريات الشخصية، هي أدبيات هذا المشروع الجديد؟ وهل كانت عبارات «تفكيك القوانين المقيدة للحريات» التي ظل يرددها يساريو الحركة الشعبية في اليوم والليلة خمس مرات، وصلاتهم عند المجلس الوطني مكاءً وتصدية، هل كانت هذه «مرتكزات المشروع الجديد» الذي عبثاً حاولوا زراعته في الشمال، زراعة لم يحالفها المناخ ولا الأرض ولا المزاج؟!، إذا كان هذا هو السودان الجديد فهنيئاً لنا «بالقوانين المقيدة للحريات» وهنيئاً لهم «بالحريات المقيدة للقوانين»، فنحن الآن نمتلك من الحريات ما يؤهلنا للحركة والتملك والعبادة والتعبير والحياة. وليعلم بعض بقايا السودان الجديد بالشمال، أن «السودان القديم» باقٍ إلى قيام الساعة، سودان الإمام المهدي والأزهري، سودان الشريف الهندي، سودان «البيتين الكبيرين»، سودان البشير، سودان إسماعيل حسن (حتى الطير يجيها جيعان من أطراف تقيها شبع)، سودان الراحل أحمد المصطفى (وطن النجوم أنا)، سودان (الكان داكا) والبادراب (ويا أب آمنة حوبتك جات)، سودان الأستاذ محمد إبراهيم نقد.. نعم نقد. وإن الذين يروجون الى أن الإنقاذ ستصبح بعد الاستفتاء «دولة طالبانية» إنما يروجون «لبضاعة خاسرة» لا تجد من يشتريها. فالسودانيون قادرون على تشكيل «حياة جديدة قديمة»، فنحن نرقد على تراث هائل حتماً سيعصمنا من الإنزلاق، وإذا كان يناير القادم هو شهر الجنوب الأخير، ففي المقابل فأن شهر فبراير هو «شهر الشمال»، الحوار الشمالي الشمالي، الذي لن يستثنى أحداً. فإن الشمال الذي يمتلك من القيم ما يؤهله لحفظ حقوق الأخوة الجنوبيين في الشمال، فإنه في المقابل سيتجاوز عن الشماليين الذين قاتلوا الشمال ولم يجنوا غير «التهميش» والإهمال، لكن أي دعوة لتشكيل «حركة شعبية» في الشمال ستكون بمثابة طابور خامس. والله أعلم