«رياك مشار» (يقدَّم) «شيخ علي» إلى باب المسجد.. و«نيال دينق» صامت..!! @@ «لواء» بالجيش الشعبي: الوحدة كفَّناها ودفناها.. خلُّونا نجرِّب الانفصال!! { في تمام الساعة الثامنة والنصف صباح أمس الأول «الاثنين» أقلعت بنا الطائرة المقلة للسيد نائب رئيس الجمهورية، الأستاذ «علي عثمان محمد طه»، والوفد المرافق له، الذي يضم وزير الدفاع الوطني الفريق أول ركن مهندس «عبد الرحيم محمد حسين»، المهندس «إبراهيم محمود» وزير الداخلية، الدكتور «لوال دينق» وزير النفط، الأستاذ «أحمد هارون» والي جنوب كردفان، الفريق أول «عصمت عبد الرحمن» رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة، الفريق «مجاك أقوت» نائب المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، ومثّل الصحافة الأخ الأستاذ الكبير «أحمد البلال الطيب» رئيس تحرير الزميلة «أخبار اليوم»، وشخصي الضعيف. { وجهة الطائرة ولاية أعالي النيل بجنوب السودان - مطار «فلوج» - للمشاركة في الاجتماع التنسيقي لتأمين حقول البترول. هبطت الطائرة، بعد ساعة ونصف من الطيران، على مدرج المطار الذي يبدو أفضل حالاً من بعض مطارات بلادنا الدولية، ولا بدّ أنها تأثيرات عائدات النفط الإيجابية على البيئة المحيطة، حيث يوجد بالمنطقة أكبر حقل لإنتاج النفط في السودان. { البرنامج بدأ في موعده تماماً (العاشرة والنصف صباحاً)، بقاعة الاجتماعات بمقر شركة «بترو دار» وهي «كونسورتيوم» بين شركات من الصين، ماليزيا، الهند وشركة «سودابت» المملوكة لوزارة النفط السودانية بنسبة (5%) فقط. { جلس على المنصة «علي عثمان»، وعن يمينه د. «رياك مشار» نائب رئيس حكومة الجنوب، وعن يساره الدكتور «لوال دينق» وزير النفط، مهندس الاجتماع. { على جانبي القاعة امتدت طاولتان متقابلتان، جلس على اليمين أعضاء وفد الحكومة الاتحادية والقوات المسلحة، يتوسطهم «نيال دينق نيال» وزير شؤون الجيش الشعبي بحكومة الجنوب، الذي كان يجاور الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، بالإضافة إلى الفريق «مجاك» الذي شارك بصفته (الاتحادية) كنائب لمدير عام جهاز الأمن والمخابرات، واحتفظ بمشاعره التي تحن إلى الجانب الآخر، حيث جلس وزراء حكومة الجنوب وقادة الجيش الشعبي. { بدأ الاجتماع بتلاوة من القرآن الكريم، وقراءة في الإنجيل، ثم خاطب الاجتماع حاكم أعالي النيل الفريق «سيمون كونق»، الذي بثَّ تطمينات إلى العاملين بشركات البترول مؤكداً أنه لن يمسّهم مكروه، مشيراً إلى تخوفات وسط العمال والمواطنين من تداعيات الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب في التاسع من يناير القادم. { هدف الاجتماع هو الاتفاق على خطة وآلية لتوفير الأمن والحماية الكافية من الطرفين، (القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي) بمشاركة جهاز الأمن والمخابرات وشرطة الجنوب، لحقول ومنشآت البترول والعاملين فيها، خاصة بعد تواتر معلومات عن حالة قلق ومخاوف تنتاب إدارات الشركات الأجنبية والعاملين (الأجانب) و(السودانيين) بالحقول كلما اقترب موعد الاستفتاء، إلى درجة أن بعضهم قدموا استقالاتهم من العمل، وغادروا الجنوب..!! { ويبدو أن هذه المؤشرات (الخطيرة) التي يمكن أن تؤدي إلى توقف عملية الإنتاج، لا تنتبه إليها قيادات الجيش الشعبي وشرطة الجنوب، والأخيرة تمثل في حد ذاتها مبعث قلق للعاملين بالحقول والشركات التجارية. { والغريب أن الحكومة الاتحادية تبدو الأحرص على استمرار العمل بمنشآت النفط، رغم أن واقع الحال وقراءة المستقبل يؤكدان أن المستفيد (الأول) من تأمين الحقول وتطمين العاملين فيها هو حكومة الجنوب. { اجتماع (مغلق) ومثير بين الطرفين برئاسة «طه» و«مشار»، جرى خلاله تنوير (مخيف) بواسطة مسؤول كبير بوزارة النفط الاتحادية، كشف عن مهددات حقيقية للعمل، وتحذيرات من التهاون بإيقاف الإنتاج ولو ليوم واحد. تفاصيل الاجتماع غير صالحة للنشر، خاصة وأن رئاسة الاجتماع قد وجَّهت بخروج جميع مندوبي الصحف ووكالات الأنباء، ومصوري الفضائيات، وأبقت - استثناءً - على الأستاذ «أحمد البلال» رئيس تحرير «أخبار اليوم» وشخصي - رئيس تحرير «الأهرام اليوم». { وزير النفط (الاتحادي) ممثل الحركة الشعبية في المركز د. «لوال دينق»، وزير الطاقة والتعدين بحكومة الجنوب «قرنق دينق»، فضلاً عن حاكم أعالي النيل «سيمون كونق»، كانوا يستشعرون هذه المخاطر، تبيَّن ذلك من خلال كلماتهم، خاصة الوزير (الشاب) «قرنق» الذي بدا عقلانياً وهادئاً ورصيناً في مخاطبته. لفت نظري هذا الوزير الذي يبدو (أصغر) في عمره من هذا المقعد الكبير، سألته على هامش الاجتماعات، بعد أن أشدت بكلمته - وكنت أجلس خلفه - عن عمره وتجربته، فقال إنه تخرج في الجامعة عام 1988، وإنه في السابعة والأربعين. قلت له: (أي أنك في عمر «أوباما» عندما تولى رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية)!! { بصورة مغايرة لعقلية وسلوك الوزير «قرنق»، يبدو مظهر وسلوك بعض قيادات (الجيش الشعبي)، حيث كانوا (شرسين) إلى حد ما، دون الاستناد إلى منطق أو حجة، أو تصور (مكتوب) لرؤيتهم. { د.«رياك مشار» سأل نائب رئيس الأركان - عمليات بالجيش الشعبي الفريق «ويلسون»، بعد اعتراضه على رؤية القوات المسلحة (المكتوبة) والموضَّحة على شاشة (بروجكتر)، معتبراً أنها مجرد (شكاوى) وأن لديهم أيضاً شكاوى مشابهة.. سأله «مشار»: (عندك حاجة مكتوبة؟).. فقال له: (لا)..!! { «شيخ علي» بحكمته وحنكته، خرج من مأزق (المواجهة) عقب توضيحات من الفريق أول «عبد الرحيم» والفريق «عصمت»، خرج إلى تثنية مقترح من أحد قادة الجيش الشعبي بتشكيل لجنة من العسكريين والأمنيين للاتفاق على رؤية (مشتركة) بروح تعاون كامل للوصول إلى خطة لتأمين منشآت البترول في الجنوب (جنوب خط 1956 الفاصل بين الشمال والجنوب). { نائب رئيس الأركان - عمليات الفريق «ويلسون»، حاله يشبه ما جاء في مثلنا الشعبي: (جوا يساعدوه في دفن أبوه.. دسَّ المحافير).. { ويبدو لي أن ما أثار حفيظة نائب رئيس أركان الجيش الشعبي هو الإشارة المتكررة في ورقة القوات المسلحة إلى نشاط حركة العدل والمساواة جنوب (خط 1956)، وهو ما يهدد بعض حقول البترول.. { الجيش الشعبي لا يريد مثل هذه (المكاشفة) والشفافيَّة، حتى داخل القاعات المغلقة، ويعتبرها (شكاوى)..!! { والغريب أن ذات (الجنرال)، الذي كان ثائراً في البداية بدون منطق، عاد ليؤكد، في (هدوء ووداعة) للأستاذ «أحمد البلال» قُبيْل الجلسة الختامية رداً على سؤاله حول تسوية الخلاف داخل اللجنة المشتركة، أن (الموضوع انتهى.. وما في مشكلة)!! { وقد تأكد لي خلال هذه الرحلة (المهمة) و(المفيدة) إلى «أعالي النيل»، رغم أنها ليوم واحد، تأكد لي ما ظللتُ أكتبه في هذه الصحيفة وصحف أخرى، أن (جنرالات) الجيش الشعبي هم الذين يسيطرون على الأوضاع ويمسكون بزمام الأمور في جنوب السودان، وللأسف فإن أغلبهم غير مستنيرين، بلا ثقافة.. بلا تعليم..!! { أتيحت لي فرصة تاريخية مع الأستاذ «أحمد البلال» للحوار مع مجموعة من قيادات «الجيش الشعبي» على هامش الاجتماعات وقبيل انطلاقة الجلسة الختامية، فقد كان يجلس إلى جواري ضابط كبير برتبة «لواء»، يبدو أنّه مساعد لنائب رئيس الأركان، وقد لاحظتُ أنه يرسل (مذكرات) صغيرة أثناء الاجتماع المغلق إلى وزير الجيش الشعبي الفريق «متقاعد» «نيال دينق»، القيادي التاريخي بالحركة الشعبية. { الحوار شارك فيه وزير الداخلية بحكومة الجنوب الفريق «قير شوانق»، ووزير النفط «قرنق دينق»، وقد علمت لاحقاً من وزير جنوبي سابق أن «قير شوانق» من القيادات العسكرية المؤثرة في الجيش الشعبي، وأنه كان مقرباً جداً إلى الراحل العقيد «جونق قرنق دي مبيور»، مما جعل علامات استفهام كثيرة تثور حول دور «شوانق» في تنفيذ أو السكوت عن تصفيات عديدة بأوامر من «قرنق» داخل صفوف الجيش الشعبي خلال سنوات الحرب العشرين. { ولكن الغريب أن «شوانق» كان هادئاً ولم تبدر منه (تعابير) عدوانية تجاه (الشمال) كما فعل ذلك (اللواء) المريب الذي رفض حتى الإفصاح عن اسمه، وأصر على أنه وأسرته سيصوتون لصالح (الانفصال)!! { تحدثت إلى «اللواء» عن مخاطر الانفصال ومزايا الوحدة، فقال لي: (الوحدة ما عندها مزايا.. ما في زول جانا من الشمال كلمنا عن الوحدة.. نحنا موضوع الوحدة دا.. كفَّنَّاهو.. ودفناهو)..!! { قلت له: إن الدكتور «لوال دينق» وهو قيادي كبير في الحركة الشعبية ووزير النفط حالياً ووزير الدولة للمالية سابقاً، قال في حوار صحفي مشهور: (الجنوبيون يحكمون كل الجنوب، وثلث الشمال فماذا يريدون أكثر من هذا؟!). { قال لي: (دا كلام بتاع زول عندو كرسي في الخرطوم.. هو ما يمثل زول.. يمثل نفسو..)!! (من المحرر: لقد علمت بعد هذه الإجابة لماذا سكت دكتور لوال بعد ذلك التصريح القوي المؤيد للوحدة).. { قلتُ للسيد «اللواء»: ماذا تريدون أكثر من أنكم تحكمون كل الجنوب.. وثلث الشمال؟! ثم وجهت حديثي لوزير الطاقة والتعدين بحكومة الجنوب الذي كان هادئاً ومسالماً، وقد علمت أنه من خريجي جامعة «الاسكندرية» بمصر، قلت له: إن الرئيس «البشير« لا يستطيع - لو أراد - إعفاءك من منصبك كوزير.. صاح؟! أجاب: نعم.. صاح.. { قلت لهم: أنتم الآن لديكم حكومة لها رئيس، وعَلَم خاص بالجنوب والحركة الشعبية، غير عَلَم السودان، ولديكم بنك مركزي، ولديكم سفارات (مكاتب خارجية) في عواصم بعض الدول، وبعد ذلك لديكم وزراء في حكومة الخرطوم.. مثل «لوكا بيونق» الذي يشغل منصب الوزير الأول في الحكومة المركزية.. فماذا تريدون؟ { صمتوا برهة.. وردّدوا العبارة الشهيرة والمكرورة غير المنطقية: (خلونا نجرب الانفصال.. وبعدين إمكن نرجع للوحدة)!! { وعبارة (خلونا نجرب الانفصال).. تشبه أن يقول لك أحدهم: (كدي جرِّب الأكلة دي.. أو العصير ده.. أو الصابونة.. أو البنطلون..)!! { مصائر البلاد والشعوب لا ينفع معها (التجريب).. ولا تناسبها مثل هذه العبارات. { الدكتور «رياك مشار»، ورغم سطوته (الحكومية) والسياسية، إلاّ أنه أيضاً مع «نيال دينق» أظهر (تحاشياً) لأيّة مواجهة مع هؤلاء (الجنرالات) وبدا ناعماً وهو يسأل «الفريق»: (عندك حاجة مكتوبة؟!).. بينما لم يتحدث «نيال دينق» مطلقاً خلال الاجتماع!! وهو الرجل الذي كان ترشحه بعض الدوائر لخلافة «جونق قرنق»، مما أزعج «سلفاكير ميارديت»، فهاجر «نيال» لأكثر من عامين إلى «لندن»!! { د.«مشار».. هذا الرجل (الداهية) المثير للجدل.. تجده دائماً يوزع الابتسامات ويصنع القفشات.. لكنه كما يقول الإخوة المصريون (مَيَّة من تحت تبن)!! سلَّمت عليه وقلت له: (حكومة الجنوب تمنع صحيفة «الأهرام اليوم» من التوزيع في «جوبا» لنحو شهرين؟).. ضحك وقال لي :(كتبتوا شنو؟ قلتو مشار عاوزين يقتلوه وللاَّ شنو؟!). { علاقة «رياك مشار» بالأستاذ «علي عثمان» وثيقة ومميزة، وكان واضحاً لنا الاحترام (الزائد) الذي يكنّه دكتور مشار ل«شيخ علي»، فقد مشى إلى جواره مشواراً لنحو «مئتي متر» يقدمه إلى باب المسجد لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعاً.. وقصراً..! أحمد البلال داعبه قائلاً: (ما كان تتم جميلك وتواصل لحدِّي جوه الجامع)..!! ضحك «مشار» وهو يمضي إلى مركز الاجتماعات محروساً بحراس أشداء وقال: (لحدِّي هنا كفاية)..!! { اتفق الطرفان، كما أبرزنا في عدد الأمس، على تأمين حقول البترول حتى نهاية الفترة الانتقالية (9/ يوليو 2011) بواسطة القوات المشتركة من القوات المسلحة والجيش الشعبي، وتكوين لجنة أمنية لمعالجة الطوارئ برئاسة وزير الداخلية الاتحادية وإنابة وزير الداخلية بحكومة الجنوب وعضوية مدير الأمن والمخابرات، ونائبه، وقائد الوحدات المشتركة ونائبه. { كانت تلك هي رحلة (معاناة) و(نجاح) أخرى تضاف إلى رصيد نائب الرئيس (المهموم جداً) بمستقبل البلاد.. { إذا استمرّ «مشار» حاكماً في «جوبا» بعد الانفصال.. فلابد أن يظل «علي عثمان» في موقعه.. هنا في الخرطوم.. وإلاَّ فإن الحرب بين الدولتين قائمة، فعلى قيادة الجيش الشعبي رجال غير مأمونين..!! { بقي أن تعلم - عزيزي القارئ - أن بعض (لواءات) الجيش الشعبي الذين سيقررون - وحدهم - مصير البلاد لا يعرفون أسماء صحف الخرطوم.. ولا أسماء رؤساء تحريرها..!! رغم أن بعض رؤساء (دول) مجاورة يعرفونهم!! حسبي الله ونعم الوكيل.