الأستاذ يوسف الموصلي اسم له رنين في عالم الموسيقى السودانية واحتل حيزاً بارزاً في خارطتها. تنازعته الأشواق بين الهجرة والعودة لأرض الوطن.. الموصلي يرى أن هناك خلطاً في المفاهيم الموسيقية ودافع عن نفسه في بعض ما أثاره البعض حول عقد الجلاد وبشير عباس ولم ينسَ أن يدلي بدلوه في الأصوات الجديدة.. ضيفنا اليوم الموسيقار الكبير يوسف الموصلي الذي اتحفنا بالعديد من الإفادات معاً نطالع ما قاله: الموصلى بين الهجرة والعودة؟ العودة تتأرجح بين البقاء والذهاب مرة أخرى إلى أمريكا إلى أن تتضح الأمور. البعض يصنفك موسيقياً أكثر من كونك فناناً؟ هنالك خلط بين مفاهيم موسيقي وفنان ومغنٍّ وعازف؛ أولاً المغني والعازف هما موسيقيان كما إنهما فنانان، ثانياً المغني والعازف والموسيقي كلهم فنانون.. وأنا موسيقي، مؤلف، موزع ومغني وكلها صفات الفنان إن كان مبدعاً وخلاّقاً. بعد كل هذا المشوار الطويل ما هي إنجازاتك وإضافاتك في عالم الموسيقى؟ أعتبر نفسي أحد المجددين الرئيسيين في الموسيقى السودانية منذ الربع الأخير في القرن العشرين وحتى الأوائل من الألفية الثالثة، دعواتكم بالصحة وطول العمر فمازال لدي الكثير من أجل شعبنا الحبيب. أضف إلى ذلك إسهاماتي في الموسيقى الكلاسيكية الحديثة والإلكترونية، على قلّتها، وفي نشر الموسيقى السودانية خارجياً وفي الكتابة تذوقاً وتحليلاً. واهتمامي غير المحدود بالنشء من المغنين والمغنيات والعازفين والعازفات والملحنين والملحنات. بعد العودة، لماذا أصبحت كثير الدخول في المعارك والملاسنات مع الزملاء، هل هي طريقة لإثبات وجودك في الساحة؟ أثبت وجودي في ماذا؟ وهل أنا احتاج لإثبات وجود؟ إن الاستقبال الذي وجدته في السودان قبل الأحداث الخيالية المختلقة يحدِّث عن هويتي الفنية ومكانتي في قلوب الزملاء والجماهير، نعم فإن البعض قد ضايقتهم عودتي لعلمهم بقوة الإرادة التجديدية في عقلي وقلبي إلا أنهم قلة لا تُحسب. أخيراً فأنا لا أهاتر أبداً لأنني أحترم كل زملائي صغيرهم وكبيرهم، ولكن ثقافة الخطأ للأسف عندنا تكمن بين النقد البناء والمهاترة وهذا أحد الأسباب الرئيسية لتخلفنا عن الركب الموسيقي والفني والأدبي في العالم. أنت متهم بأنك سعيت بقوة لاحتلال مكان الموسيقار عثمان النو قائد فرقة عقد الجلاد؟ أحل مكان النو لأفعل ماذا؟ وما حاجتي لأحل مكانه؟ أتمنى أن يعود الآن قبل بكرة، وسأكون أول المهنئين والمحتفلين به يا أخي عبد الباقي. يقولون إن الموصلي يحاول أن يقلل من تجربة الموسيقار الكبير بشير عباس والارتباط بالبلابل فنياً بحكم العلاقة القديمة؟ لن يستطيع الموصلي أو غيره أن يقلل من تجربة الموسيقار بشير عباس الثرة والقيمة العظيمة. كما إنني لا استجيب لما يقوله عني لأن ذلك لا يحرك شعرة واحدة في رأسي المكتظ بالموسيقى وهو يعلم ذلك علم اليقين. كما أن ارتباطي بالبلابل فنياً بدأ عام 1974م، إذن ما الجديد؟ وفوق ذلك سأبذل قصارى جهدي لعودة الطرفين وفي هذا فائدة للوطن كله. ذكرت في إحدى المرات أنك ستنتج أغنية مدتها ثلاث دقائق فتصدى لك الموسيقار الكبير محمد وردي؟ أنا لي خياراتي وللموسيقار وردي خياراته، إذن فما المشكلة؟ وبالمناسبة لولا أسلوب التكرار للجمل الموسيقية مع التنوع عنده لأصبح لديه الكثير من الأغنيات ذات الأربع والخمس دقائق، مثلاً «قطر الندى، فرِّحي خلق الله، بيني وبينك والأيام، ذات الشامة» وغيرها، إذن فوردي رائد في هذا المجال. «على قدر الشوق، الأماني السندسية، إنتي ليّا، الحجروك عليا»؛ كل هذه الدرر الغنائية قدمتك لعالم الشهرة. ألا تعتقد أن الموسيقى وحدها لم تكن كافية لإيصالك للمكانة التي أنت فيها الآن؟ كل أغنياتي وضعتني في مكانة أَحمدُ ربِّي عليها. ف«شوق الهوى وسفر العيون ويا مستطاب وسهم طايش والحب يا أم سماح وأسألي الشوق والكلام القالوا عنك ووينك انتي، وطفل العالم وبلدنا نعلِّي شانا ...إلخ..» فالقائمة كبيرة ولا يسع لها المجال أسهمت فيما تفضلت به، كما أن توزيعاتي لخمسة وثلاثين فناناً سودانياً لما يزيد عن المائتين من الأغنيات لعبت دوراً آخر. هل صحيح أنك بدأت حياتك الفنية كفنان شعبي؟ فنان شعبي حسب المصطلح السوداني نعم، ولكن حسب المفهوم العلمي لا. الفنان الشعبي في السودان هو الذي يغني بالإيقاعات والرق بمصاحبة الكورس وحسب المفهوم العالمي هو الفنان المنتشر، وحسب فهم بعض المعاهد العربية هو الفن مجهول المؤلف وينتقل بين الناس سماعاً، ولكن عالمياً يقولون عليه التقليدي. من الذي أطلق عليك لقب الموصلي؟ أستاذي دكتور عبد الماجد خليفة الذي أحفظ له مع الراحل أميقو فضل الوقوف معي في مرحلتي الانتقالية إلى الموسيقى الحديثة. ماذا تقول عن الموسيقيين د. الفاتح حسين وحافظ عبد الرحمن؟ هما موسيقيان كلٌ منهما يجاهد في مجاله من أجل التجديد ولهما قدرة فائقة على الحركة وقد أصابا نجاحاً كبيراً في ذلك وأنا أقدرهما جداً وأحفظ لهما هذا النشاط الجم وأتمنى لهما دوام التوفيق. هل بمقدورك أضافة شيء جديد للساحة الفنية؟ وهل لديك أدنى شك في ذلك؟ قطعاً فإن عطائي التجديدي لن يتوقف طالما أن لي قلباً نابضاً وعقلاً مفتوحاً على الحداثة ومستجدات التغيير في المجتمع. ماهي الأصوات الجديدة التي ترى أنها موعودة بمستقبل زاهر؟ على مستوى الجنس اللطيف إن واصلن الجهد فإن ياسمين ونهى عجاج وشروق أبو الناس وعافية حسن وشموس ونسرين وشادن وإنصاف فتحي؛ كلهن مبشرات. أما على مستوى الشباب فإن د. ياسر مبيوع وعمر جعفر وعادل مسلم وأبوبكر سيد أحمد ووضاح وشريف الفحيل وحسين الصادق وطلال حلفا، على سبيل المثال، سيصلون إلى بر الأمان إن تواصل جهدهم. ماذا عن حياتك الخاصة وسنوات الغربة، ما لها وما عليها؟ متزوج من السيدة سكينة الربيع محمد خليفة وعندي ثلاث بنات وثلاثة أولاد منهم من تخرج في الجامعة ومنهم في طريقه إلى التخرج ومنهم في طريقه إلى العالي وكلهم متفوقون والحمد لله وهذا هو الاستثمار الحقيقي. وأعمل موسيقاراً محترفاً وأستاذاً مساعداً. بعد هذا العمر الطويل في مشوار الفن، هل أنت راضٍ عن نفسك؟ راضٍ ولكن ليس كل الرضا؛ فهناك الكثير من الأفكار والطموحات القابعة وهذا شأن المبدعين دوماً.