ينمو الطفل في أحضان والديه.. فيتعهدانه بالحب والرعاية حتى ينمو.. يسهران على راحته ويوفّران له كل ما يعينه.. فيتدرج في الدراسة ويقوى عوده شيئاً فشيئاً.. حتى إذا شبَّ عن الطوق وحاز ما يحتاج من أدوات الكفاح، انطلق مكوِّناً حياته الخاصة، وصولاً إلى تكوين الأسرة الخاصة به. هذه هي دورة الحياة العادية والطبيعية.. لكن ربما كان للظروف سيناريو آخر.. ترسمه بمساعدة الفاقة والحوجة.. فتسلب بعض الأطفال سنينهم الغضة في درب العمل.. لتذوب أحلامهم في أتون السوق القاسي على من هم في عمرهم.. «الأهرام اليوم» تجولت في السوق ولفت نظرها أحد الأطفال، وجدته يعمل بكد واجتهاد.. فاقتربت منه في محاولةً معرفة الدوافع والأسباب التي جعلته يبارح مقاعد الدراسة، ويغوص في هذا العمل القاسي.. فتحدث أولاً معرّفاً باسمه «مصطفى»، وعمره (12) عاماً.. يسكن بضاحية من ضواحي محلية شرق النيل، ويذهب كل خميس لزيارة أهله ووالدته التي قال إنها تبكي كلما تراه متأثرةً وهو يحمل المال إليها. «مصطفى» قال إنه عمل في عدة مهن، تارة تجده بائعاً متجولاً أو يعمل في غسل السيارات، ومرات في بيع المناديل، وإن كان غسل السيارات - كما يرى - أفضل هذه المهن بالنسبة له. تحدثنا مع «مصطفى» عن دوافعه ورؤيته للمستقبل، فقال إن في داخله الكثير من الطموحات والآمال التي يتمنى تحقيقها عبر الانتظام مرة أخرى في التعليم العام، ولكنه عاجز بسبب الحاجة التي أجبرته على العمل، مثله مثل أطفال كثر - أشار إلى بعضهم - يمتهنون ذات مهنه. وقال «مصطفى» إنه مع مرور الوقت صار خبيراً بمهنه ويعرف كيف يجذب الزبون، وأضاف أنه بعد تنقله في أكثر من مهنة، اختار «غسل السيارات» وهو مجال عمله حالياً، ووصفه بالعمل الجيد لأنه يكسب منه الكثير، ويقول إن أصحاب السيارات أناس كرماء جداً وأحياناً يدفعون له أكثر من أجره المعلوم، وأيضاً النساء يتعاملن معه على أساس أنه في مقام ابنهم، وأبان أنه استفاد من صغر سنه وأصبح يجني المال أكثر من إخوانه الذين يكبرونه، ووصف رجال المرور بالطيبين. عدنا بمصطفى إلى موضوع الدراسة فقال إنه كان يدرس بالصف الرابع، لكنه جمّد هذا العام للظروف المادية، وأكد أنه سيعود للدراسة مرة أخرى مع بداية العام القادم، وتمنى «مصطفى» أن يكمل تعليمه ويصير طبيباً مختصاً في طب الأطفال، لأنه كما قال يريد مساعدة أهل منطقته التي تفتقر للأطباء الآن. ورغم ظروفه لم ينفصل الطفل العامل «مصطفى» من الشأن العام، وقال إنه وحدوي لا يحب التمزق لوطنه وأردف: «وما دايرين انفصال».