(عمالة الأطفال) الأخطار تتربص بالصغار تحقيق وتصوير: فاطمة خوجلي *توفير المال التقت (السوداني) طفلين في مواقع مختلفة يمارسان العمل الشاق، حيث ذكر أحدهما ويدعى أسامة مصطفى و لم يتجاوز (11) ربيعاً، يمتهن بيع اكسسوارات السيارات عند إشارات المرور، إخوان أسامة المنتشرون في مواقع أخرى ولجوا هذا المجال، تحت ضغوط الظروف الاقتصادية القاسية على الأسرة التي تسكن الجريف، مشيراً إلى أن اثنين من إخوته الكبار لم يكملا دراستهما. بسبب انخراطهما في أعمال مختلفة كالبيع في الأسواق أو عند إشارات المرور، وهو الآن في السنة الخامسة ووالدته تلح عليه لترك الدراسة، وعند سؤالنا إياه: عن مستقبله ابتسم ورفع كتفيه بإشارة لا يعلم، وهو ما يؤكد أن مستقبل العديد من الأطفال قد يضيع بسبب أوامر والداتهم اللاتي يطلبن منهم العمل، حتى وإن كان على حساب الدراسة، وبإصرارنا على التعرف على والدته أشار إلينا بأصبعه الذي يرتجف خوفا(ياها ديك). وتوسل إلينا ألا نخبرها أنه هو من دلنا عليها خوفا من العقاب. اقتربنا منها وسألناها عن حال ومستقبل الأولاد فقالت: (والله حال الأولاد مؤلمني شديد يا بتي لكن حال الزمن والإيد قصيرة) وذكرت أن المشاكل الأسرية هي التي ساهمت في هذه المشكلة كونها منفصلة عن زوجها، الذي لم يلتزام برعاية أبنائه، ما جعلها تعاني من عدم مقدرتها على تسجيل الأبناء في المدارس، لتلجأ بعد ذلك إلى إرسالهم للشارع سواء للعمل أو التسول، للحصول على بعض المال. *أفتقد التسلية وأكد الطفل الثاني عبد الرحيم علي الذي لم يتجاوز التاسعة من عمره ويعمل في أحد الأسواق المتنقلة على أنه مضطر لمساعدة والده، مشيراً إلى أنه لا يملك أي خيار آخر غير العمل، في الوقت الذي يتمنى أن يزاول اللعب برفقة أصدقائه، مضيفاً أن والده لا يجبره على العمل، بل يشدد عليه أن يهتم ويحرص على المذاكرة الجيدة للحصول على درجات ممتازة، وهو ما يجعله إما مشغولاً بالدراسة، أو العمل في الإجازة، فيفتقد اللعب والتسلية، التي تُعد جزءاً مهماً لمن هم في مثل عمره أكد لنا أسامة مصطفى أنه ما يزال على مقاعد الدراسة وأن عمله في الإجازات حيث يأتي من المناقل باعتبارها موطنه ونشأته. وكذلك يؤكد أنه بعد انتهاء الإجازة سيرجع ليحجز مقعده ضمن زملائه في الصف الثامن.مبينا أن ما يحققه من هوامش أرباح يدخره ليغطي به احتياجاته المدرسية،ويضيف: لدي تسعة إخوة أربعة أولاد وخمس بنات فقلت في نفسي (لازم أشيل نفسي). وعن أرباحه يقول في حدود (15-20 جنيها) في اليوم. لم يرفع مصطفى عثمان عينيه من الأرض وهو يتحدث إلينا إلا عندما قلنا له (خجلان مالك؟) فوجدنا الدموع تنهمر وقال:(انا متألم، عاوز أقرأ وأتم تعليمي، وأبوي هو الجبرني وطلعني من المدرسة وأمرني إني أشتغل وأساعده). ولتجفيف دمعته غيرنا مسار الحديث ليخبرنا أنه يسكن ب (أم جحرة) بشرق النيل برفقة والده في بيت عزابة. وعن هوامش الأرباح يقول بالرغم من أنها ضعيفة ولا تذكر إلا أن والده يرسلها لناس البيت في البلد. حاولنا جاهدين التحدث إلى أطفال من فئة المتسولين ولكنهم رفضوا واكتفوا بالإشارة إلى أنهم لا يدرسون وعندما عاتبناهم قال أحدهم (إن شاء الله الزمن ما يجور عليك ويا أستاذة الجمرة بتحرق الواطيها) *أشبه بالأمي أوضحت معزة طه حسن الفاضل الباحثة النفسية والاجتماعية أن تعزيز فكرة العمل والاعتماد على النفس ليست بالسيئة، ولكن يجب أن لا تكون على حساب الدراسة، حيث يلاحظ أن هناك نسبة من الشباب أشبه ب(الأُميين)، فهم بالكاد يستطيعون القراءة أو الكتابة؛ بسبب عدم مواصلتهم الدراسة، وهو ما يجعلهم بكل تأكيد ينظرون لأنفسهم نظرة دونية، خصوصاً وهم يرون أقرانهم وأصدقاء طفولتهم يتقلدون المناصب الوظيفية الجيدة ويعملون في أعمال مهمة، موضحة أن قضية تشغيل الأطفال نالت اهتماماً واسعاً من قبل العديد من المنظمات الدولية والهيئات الإنسانية، نظراً لما تتعرض له فئة كبيرة على مستوى العالم، حيث يؤكد المبدأ التاسع من إعلان حقوق الطفل الصادر عن الأممالمتحدة في نوفمبر 1959م أنه يجب أن يتمتع الطفل بالحماية من جميع صور الإهمال والقسوة والاستغلال، ويحظر الاتجار به على أية صورة، ولا يجوز استخدامه قبل بلوغه السن الأدنى الملائمة، ويحظر في جميع الأحوال حمله على العمل، أو تركه يعمل في أية مهنة، أو صنعة تؤذي صحته أو تعليمه، أو تعرقل نموه الجسمي أو العقلي أو الخلقي، وأضافت معزة قائلة: قد يتحمل الفقر أهم أسباب انتشار مشكلة (عمالة الأطفال) في الكثير من المجتمعات، ما يجعل أمر معالجة هذه المشكلة بالغ الصعوبة، نظراً لاستحالة القضاء على الفقر، باعتباره أحد الأسباب الرئيسية، حيث تلعب الحاجة عنصراً مهماً قد يعذره الكثيرون، ولا يغفر الاستغلال الذي يعمله بعض مشغلي الأطفال، مستفيدين من انخفاض أجورهم وسهولة توجيههم، خصوصاً وهم يعتبرون قوة اقتصادية كبيرة الحجم، تحقق لهم الكثير من المكاسب، فيما لا تتجاوز المصاريف التي ينفقونها على الأطفال.