رسائل من نائب رئيس الجمهورية؛ علي عثمان محمد طه، والمدير العام للشرطة؛ الفريق أول هاشم عثمان، والمدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني؛ الفريق محمد عطا المولى، ووالي الخرطوم؛ عبد الرحمن الخضر، بعثت أمس (الأحد) من قاعة المجلس التشريعي لولاية الخرطوم في احتفاله بمرور (55) عاماً على إعلان الاستقلال و(5) سنوات على السلام؛ رسائل استهدفت التجار وحركة العدل والمساواة والقوى السياسية المعارضة، تتوعدهم بالرد على محاولات التفكير في إسقاط الحكومة، ورسائل أخرى للشعب السوداني بأن انفصال الجنوب لا يعني القيامة وتبدُّل الأحوال. مبنى المجلس التشريعي لولاية الخرطوم (البرلمان) سابقاً، الذي يطل على شارع الجمهورية؛ كان مزداناً بأعلام السودان قبل الانقسام، وعند مدخل البوابة كتبت الآية القرآنية: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، بينما حملت ساريةٌ علم السودان (القديم) والألوان: الأزرق والأصفر والأخضر، ومن خلفه صدحت موسيقى تردد النشيد المحفوظ (اليوم نرفع راية استقلالنا). لكن الاحتفال كان يأخذ الواقع السياسي بعين الاعتبار؛ (55) عاماً على الاستقلال و(20) يوماً على إجراء الاستفتاء، ويظل السؤال دائراً في الأذهان؛ هل ينقسم شمال السودان أيضاً في أي اتفاق سياسي قادم لدارفور؟ أم أن لعنة التشظي في طريقها إلى الزوال عند حضور حكمة أهل السودان؟ الاحتفال كان عبارة عن رسالة سياسية أعدتها اللجنة العليا لتناسب الظروف الحالية من هواجس قيام الاستفتاء وارتفاع الأسعار والتشكيك في مستقبل البلاد بعد وقوع الانفصال، جاءت المجنزرات والدبابات والعربات المحملة بالجنود والسلاح وقوات مكافحة الشغب بغازها المسيل للدموع والهراوات، حتى شرطة المرور شاركت في العرض بفتح الشوارع والطرق وإغلاق السبل الأخرى، كأنهم يؤكدون تصريحات قيادات الأجهزة الأمنية بأنهم جاهزون. ٭ داخل البرلمان وإعلان الاستقلال في اليوم التاسع عشر من شهر ديسمبر قبل (55) عاماً، اقترح (عبد الرحمن دبكة) إعلان استقلال السودان، وثنَّى على ذلك (مشار جمعة مسهل)، ومن يومها توالت الأحداث في بلد المليون ميل مربع، وتعاقبت الحكومات والانقلابات العسكرية والثورات الشعبية والانتخابات، لكن يوم التاسع من شهر يناير القادم يكتسب أهمية خاصة في التاريخ السياسي السوداني: هل يقع الانفصال؟ والي الخرطوم؛ عبد الرحمن الخضر، استحضر كل ذلك في كلمته التي ألقاها، وقال: «نحن نواجه أقدار الله بأقدار الله، وحق تقرير المصير هو حق دستوري لإخواننا الجنوبيين». واستعرض الوالي لحظات إعلان الاستقلال من البرلمان، وجاء بالأسانيد التاريخية - كما قال - ليدافع عن رواد الحركة الوطنية في تأجيلهم البت في قضية الجنوب، وقال إن معركتهم كانت هي إعلان الاستقلال، وأضاف بالقول: «نحن نفي بما اتفق عليه آباؤنا في هذه الفترة بعد توقيعنا اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية». من بعده جاءت كلمة نائب رئيس الجمهورية؛ علي عثمان محمد طه، ووضع من خلالها رؤيته للمرحلة السياسية الحالية والمستقبلية، وأكد على إعلاء قيم التسامح الديني في السودان، والتعايش الديني الأصيل الذي يعلي لكل دين رايته كاملة، وضرب مثلاً بجلوس القس فيلو ثاوس فرج إلى جوار الشيخ الطيب الجد من أم ضواً بان. وأضاف قائلاً: «نقول لأولئك الذين يحاولون الآن وسيظلون يحاولون - إذا خسروا - أن يدخلوا إلينا من باب الفتنة الوطنية السياسية أو الدينية؛ خاب فألكم، وستتكسر مؤامراتكم على جدار التسامح والتعايش الديني الأصيل الذي يعلي لكل دين رايته ويقيم شعائره كاملة ويعظم أحكامه كاملة دون إكراه أو إملاء على أحد. هذا هو السودان الذي علم الناس في السابق ويعلمهم الآن وغداً». وتوعَّد بالردع لكل من يمس قوت الشعب، وقال: «الأمن مستتب والأعين ساهرة والسيف باتر وقاطع». وطاف علي عثمان بسيرة الاستقلال ومن أسهم في إعلانه، وقال: «إن هذه ملحمة تعقبها قصة الاستقلال وأحيي بهذه المناسبة الذين تعاقبوا على حكم السودان عسكريين ومدنيين وجميعهم أرادوا الخير للسودان وتقدمه». وحيا إسماعيل الأزهري، إبراهيم عبود، جعفر نميري، الصادق المهدي، عبد الله خليل، سر الختم الخليفة، وكل من تعاقبوا على حكم السودان، لكنه أفرد تحية خاصة، وقال إن التحية بالأخص للرئيس المشير عمر البشير، الذي أدرك معنى ذلك كله وجمع إرادته أن يوحد كلمة الأمة وأن يسعى في سبيل جمع الصف الوطني، مشيراً إلى اتفاق الشعب السوداني حول قيادته. هنا ضجت قاعة البرلمان بالتكبير. خرج الناس من قاعة البرلمان وعادوا إليها مرة أخرى بعد أن جلست قيادات الأجهزة الأمنية في ندوة حول الأمن والسلم في السودان، قدمها مستشار الرئيس؛ بونا ملوال. المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات؛ الفريق مهندس محمد عطا المولى وصف خلال الندوة السقوفات الوطنية لقادة الأحزاب السياسية بالمتدنية، منوهاً إلى اهتماهم بالأجندة الذاتية للحزب وزعيمه، أكثر من الإجابة على التساؤل حول ما هو موقف الأحزاب من وحدة البلاد والقدرة على التضحية من أجل ذلك الهدف؟ وقال محمد إن الأحزاب المعارضة تتربص وتتمنى أن ينفصل الجنوب وأن يقع خلل أمني يؤدي إلى إسقاط الحكومة، منوهاً إلى أن هذه مجرد أمنيات لن تحقق. وحول الأوضاع في دارفور كشف مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني عن خطة للتضييق سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً والقضاء على الحركات المسلحة مهما نفخ فيها من روح، كما أقر بأن قضية دارفور تؤثر على الأمن القومي، ولكنه أشار إلى المجهودات المبذولة لحلها. ومضى قائلاً: «حركة العدل والمساواة في أضعف حالاتها الآن رغم اتجاهها جنوباً وتزويدها بالسلاح والعتاد العسكري»، لافتاً إلى تزامن اتهامات الأممالمتحدة للحكومة بقصف الجنوب مع خروجها من الجنوب، موضحاً أن هناك شكوى من الحكومة سبقت شكوى الحركة الشعبية ولكن لم يتم الاهتمام بها. واعتبر عطا الوضع الأمني في السودان متماسكاً، مشيراً إلى أن الدولة تطبِّق نظام الأمن الذاتي، وهو أن تقوم الحكومة بالاعتماد على قدراتها الذاتية، موضحاً أن في هذا المنهج تحقيقاً لأعلى درجات الحماية للأمن القومي. وكشف عن تعاون أكثر من مليوني مواطن بولاية الخرطوم مع الأجهزة الأمنية من خلال التبليغ عن حالات الإخلال بالأمن والسلامة العامة، إبان غزو خليل إبراهيم لأمدرمان في مايو من العام 2008م. دير جهاز الأمن والمخابرات الوطني اعتبر أن السودان استطاع أن يحول علاقات التوتر جرَّاء تأليب دول الغرب بعض دول الجوار، إلى علاقات صداقة، مثل تشاد وإثيوبيا وإريتريا وغيرها، مشيراً إلى أن السودان أصبح رقماً في المعادلات الإقليمية، الأمر الذي جلب عليه المؤامرات من أمريكا وإسرائيل والعالم الغربي. وفي مداخلة لوالي الخرطوم بالندوة، قطع عبد الرحمن الخضر بعدم وجود صلة بين ما ستؤول إليه نتائج الاستفتاء في جنوب السودان، حتى لو أدى ذلك إلى انفصال؛ وما يحدث من ارتفاع للأسعار. وقال إن البترول المنتج في الجنوب ستخرج عائداته من خزانة الدولة إذا جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال بعد التاسع من يناير 2011م، مشيراً إلى أن أكثر من ثلث عائدات البترول سيبقى في خزانة الدولة، ولن يكون الفارق كبيراً بعد اكتشافات البترول في الشمال. وكان الخبير الأمني حسن بيومي قد قدم تعريفاً لمفهوم الاقتصادي والسياسي عند بداية الندوة.