(مما قمتي فوق صاجك مولع ضيّك ما أتبعتي عر لافية العطاش بي ريك السّرع والنشاط ما بيشبهنّ لي زيّك تاتي المشية خلي الناس تموت بغيّك)! (من مسادير الحاردلو) { طقس التاريخ: (لم يكن اختيار الملك (أسبلتا) لشخصية الأمير (خاليوت) مصادفة، ولكن لشهرة ذلك الأمير بالتقوى والورع، وهو ابن الملك المقدس (بعانخي) - (بيّ) - الذي اشتهر بحماسه الديني الشديد، ولتوجيه الفن لتصوير العلاقة المتوازنة بين المعبد والبلاط طوال فترة الحكم النبتي والمروي. ويمكننا النظر إلى طقوس التتويج التي كان يقيمها الملوك تقليداً حتمياً ينزع إلى التأثير على الجمهور من خلال السعي إلى تماسك المجتمع من خلال ترسيخ القيم التي يؤمن بها الإنسان، وما يفسر علاقته بالكون والحياة ويجعل لوجوده مبرراًَ. من هنا كانت الطقوس التتويجية عبارة عن قوة اجتماعية تتحرك في دلالات واضحة تعمل على تلبية حاجات المجتمع متمثلة في تماسك المجتمع، الحاجة إلى التحرر من الضغط النفسي، الحاجة إلى الأمن، والشكل الثابت للطقس، فهي في بعدها السياسي قصد منها تعميق الإحساس بالنظام القائم والمرتبط بالشرعية، وهو ما يتسق وجوهر الطقوس الرامية إلى مد جماعة بالتجربة الجماعية على مستوى روحي وتعلمهم أو تذكرهم بقوانين السلوك الاجتماعي وقواعد التعايش السلمي). (إشارات من كتاب الطقوس السودانية - د. شمس الدين يونس) { طقس الحقيقة: وذات أيام لم تكن لذاكرة الساعات أهمية لديّ، المهم أن تستمر بالدوران ليأتي مساء العشاء، وصباح الشاي، وكنت قد ترتبت بكامل أزيائي وأرواحي لأن أكون أماً لا غير. ثمّ بهاتف متعجل من أستاذي ذي اللهجة الأبوية القدير (أحمد عمرابي) عنفني بابتعادي التام، ولامني وقتها (لأبو أولادي) كيف أنه لا يكون لي عنوان صحفي، ثم فاجأني بنهار مشوار خرطومي تجاه صحيفة ما زالت طور الإنشاء، باهتة خطواتي تجاه المشوار متحمسة إلى حد ضئيل كي لا أصاب لاحقاً بخيبة زعل على إمضاء تفاؤلي خارج حدود الممكن - فقد مرت سنوات على مشاهدتي على قيد العمل الصحفي - وذهبنا إلى مباني (الأهرام اليوم)، مكان هادئ نظيف لم تملأه أنفاس المساكين بعد! لنقابل الأستاذ (الهندي عز الدين )، وكنت وقتها اختزن في ذاكرتي السمعية عنه قصصاً بطولية، أقرأ ما يؤمن به بشكل غير راتب، في صحيفة (آخر لحظة)، لكني لم أره حتى ذاك الأوان، وعرفت أن الشاب ذا الوجه المألوف كأنه قريب بعيد التواصل، ربما جارك الذي تصادفه كل عيد، هو رئيس التحرير الذي يظن بأحاديثي الصحفية خيراً، وصاغ لي بهدوئه خبر الموافقة على انضمامي إلى قائمة شرف الكتاب، وتلقيته بالحذر المشوب بقلق مما جعل لساني يتدحرج بسؤال لم أحسن إيقافه بفرامل اللياقة: (ليه سميتوها الأهرام اليوم؟!) وحينئذ ولج أستاذي الفاضل (نبيل غالي)، فزادني الأمر اطمئناناً، كما قد عرفت أن على كرسي الإدارة الأستاذ (عبد الله دفع الله) الذي نصرنا ذات ظلم وكنا في بدايات العمل الصحفي. هذه الحقائق والأسماء اللامعة والأنيقة في حرفها وإنسانيتها في قائمة حضور دفتر (الأهرام اليوم) خلصتني من رهاب القلق تجاه جريدة جديدة في سوق ممتلئ بالأخبار وتجاه الكتابة الراتبة! وخرج الخبر بين الناس بميعاد يومها المرجو، ولم تتعدّ ساعات من التهنئة بالصدور حتى عرف القريب والبعيد أنها خرجت (مولعة ضيّها)، تطفئ عطش الباحثين عن الحقائق بالكلمة المستنيرة والتحقيقات والمواضيع والحوارات الواعية والمسؤولة، وستحقق التجربة الجماعية الناجحة بفريقها مكتمل النضج في كافة أقسام الصحافة بمحاولة تكريس السلوك الاجتماعي وترسيخ مفهوم التعايش السلمي.