قال لي الكوميديان محمد موسى في عام 2004م في دردشة أجريتها معه بصحيفة «الأنباء» الحكومية -آنذاك- إن «أقيّف» وزير في الحكومة - وقتها - وزير الخارجية الدكتور مصطفي عثمان، وأكد أن الرجل (قيافة بي فهم)، يعني سمع وشوف. غير أن الناظر إلى الشارع العام يجد أن الجلابية السودانية بملحقاتها (عمة شال مركوب ملفحة) وأحياناً بزيادة الصديري والتوب، قد غابت شمسها وعمد الشباب إلى لبس البدلة الأوروبية بأنواعها بداية بالكاملة وحتى الأسبورت، وما عادت الفتاة السودانية تقنع بالذي يرتدي (البلدي) أو البنطال والقميص (ساكت) فيما خرج لابس الأبرول والعراقي والسروال من قائمة المنافسة بعد أن أصبح مكياج الرجال بنداً أساسياً لزيادة الوسامة والهندام حتى فلفلة الشعر أضحت طقساً مهماً لكثير من الرجال في سن العشرين وحتى الخامسة والثلاثين. وهذا الاهتمام بالهندام ليس بجديد على شباب السودان وشيوخه، ففي السابق تغنّت الفتيات ب (يا الماشي لي باريس جيب ليّ معاك عريس.. شرطاً يكون لبِّيس من هيئة التدريس). لأن الانتماء لهيئة التدريس كان قمة (الفهم) في ذلك الوقت وليته يعود ويعود الألق (لأفهم ناس في البلد). غير أن شباب الألفية الثالثة وهذا ليس قَدْحاً فيهم يهتمون جداً بالمظهر وينسون الجوهر! ومنذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي حتى خروج المطربة حنان بلوبلو إلى الساحة بأغنياتها انشغل الرجال بالمظهر الحسن تنفيذاً لرغبة مطربة جميلة تتحدث بلسان الجميلات وهي تغني (طويل أخضر قيافة) والقيافة يمكن الحصول عليها من شارع الجمهورية بالخرطوم بقدر ما يحمل الباحث عنها من مال ولكن (السماحة) أو الجمال فهذه هبة إلهية. وعميد الفن ظل يغني حتى رحيله (الوسيم القلبي رادو)، والأستاذ كابلي يؤكد (الزول السمح الفات الكُبار والقدرو)، وعبدالعزيز المبارك وضع سقفاً للجمال برائعة عثمان خالد (بتقولي لا.. يا غالية يا ست الجمال يا مُذهلة..). ونحن في حالة البحث عن القيافة هذه، - وبالطبع شخصي الضعيف ليس معكم- فقد (فات فيَّ القول) بثلاث كلمات ظلت ترددها جدتي الراحلة على مسمعي منذ أن كنت في العشرين من عمري بانتظام حين وصفتني ب(الطويل، الأزرق، الشين) فقد قال لي صديقي الشاعر المصري المقيم بالسودان المهندس عبداللطيف أبو مصطفى إن تشبُّث شباب السودان بالأزياء الآن يشبه إلى حد كبير تلك الموجة التي اجتاحت الشباب المصري في خمسينيات القرن الماضي ولأكثر من 20 عاماً حتى أن البعض يمضي ويستأجر (بدلة) للظهور في محفل ما، وكذلك الفتيات يستأجرن الفساتين ليكُنّ في أناقة فاتن حمامة وعزيزة أمير ونجاة الصغيرة وليلى مراد وكل نجمات الفن المصري. وأردف أن شباب السودان لا يستأجرون البِدل ولكنهم يقتنون الملابس بباهظ المال من أجل القيافة. وأقول لكل الشباب والشيوخ وبالطبع كل جميلات بلادي (كُن جميلاً ترى الوجود جميلاً». غير أن (أقيّف) الشباب في بلادي اليوم هم فرسان عازة لابسي الكاكي (الميري) وحاملي السلاح ذوداً عن الوطن فاتجهوا أيها الشباب إلى مراكز التجنيد الآن لتنالوا تلك (القيافة الدائمة).