{ لا أظن أن ملك الأغنية الشعبيّة في مصر «أحمد عدوية» كان في حاجة إلى إضافة سطر في تاريخه ليقوم بعمل «دويتو» مع الفنان اللبناني «رامي عياش»، ولا أظن أن مادونا بكل ثقلها كانت في حاجة الى أن تلفت لها الأنظار وهي تغني مع «بريتني سبيرز» ولكن في اعتقادي أن التجربتين كانتا خير مثال ودليل على عدم تنافر بين الأجيال، وأن الإلفة والمحبة هي عنوان للعلاقة التي تجمع ذلك الجيل مع جيل الشباب، لكن للأسف إن ما نسمعه من بعض كبار الفنانين تجاه شباب بعينهم يدعو للحيرة والدهشة، خاصة وأن هؤلاء الكبار يستخدمون لغة مستفزة مثل التندُّر على «سبسبة» و«فلفلة» الشَعَر، أو ركوب العربات، وكأن الفنان في نظرهم لن يكون فناناً حقيقياً ما دام أنه لم يحلق على «الزيرو» أو يركب «الكداري»!! { والله إن الأزمة الحقيقية التي نعيشها الآن هي ليست أزمة نصوص هابطة أو أغانٍ دون المستوى، ولكنها أزمة ضمير وأزمة محبة وتسامح، ولعلي قد فتحت فمي مندهشة وأنا أستمع للفنان «هاني شاكر» وهو يحكي بداياته عندما قال إنه غنى واحدة من أغنيات محمد عبد الوهاب، وما أدراك ما محمد عبد الوهاب، وما أن استمع له الموسيقار الكبير إلا واتصل به وتنازل له عن الأغنية ووعده بأغنيات غيرها، لكن المرض لم يمكّنه من تحقيق هذا الوعد. وربما يقول لي قائل: «ده هاني شاكر»؟ أقول له على الفور إن هاني شاكر وجد من يمنحه الثقة وهو في بدايات الطريق، ولم يكن يملك وقتها إلا منحة رب العالمين، وهي صوته فقط، وهذا شأن الكثير جداً من الفنانين الشباب الآن الذين يمتلكون أصواتاً جميلة، لكنهم بدون دليل وبدون كبير، وبدلاً من الأخذ بيدهم لا يسمعون إلا التهكم والسخرية و«تكسير المجاديف». ومثال آخر يجعلني أسأل: «نحن الحاصل لينا ده شنو»؟ والنجمة شويكار تقول إن خليفتها في السينما المصرية هي النجمة «منى زكي» وتقول بلهجة مصرية صرفة: «يا أخواتي دي تجنّن وهي مشروع نجمة ستفوق شويكار نفسها».. بالله عليكم «في حلاوة أكثر من كده في جمال روح ونظافة دواخل أكثر من ما سمعتوا»؟ { إذن نحن الآن نعاني من علاقات إنسانية (مسمّمة) أكثر من الأغنيات الهابطة. ما يحدث الآن في الوسط الفني أسوأ بكثير من ما يحدث في المشهد السياسي.. لا يستقيم عقلاً أن يظل فنان كبير يستهدف شاباً فقط لمجرد أنه ردد أغنياته.. «طيّب إنت ما دايرُُه يغني غناك.. وما عايز تساعده بالجديد.. وكمان ما دايرُه يغني الهابط.. أُمّال يعمل شنو.. يقعد في بيتهم ويعتزل فتاخد زمانك وزمان غيرك!!» { في كل الأحوال القافلة ستمضي، وهذه سنة الحياة، ودوام الحال من المحال، والكثير جداً من الشباب الذين هُوجموا في بداياتهم هم الآن مطربو الحفلات والمناسبات والفضائيات، ويكفي مثالاً على ذلك أن أحدهم في بداياته أسماه الكبار (زرزور) تصغيراً وتبخيساً، لكنه بمرور الأيام «فات الكبار والقدرو عرفتوه.. واللا نعمل مسابقة»؟ { كلمة عزيزة الإعلان الذي بُثّ على كل الفضائيات السودانية لتوضيح المراحل الانتخابية الذي اشتهر ب (أفيه): «يا خلف الله عذبتنا» أكد أن المشاهد السوداني نفسه مفتوحة جداً لتقبل الدراما السودانية وأنه لم يتجه للدراما العربية إلا لأنه لم يجد ما يروي ظمأه من أعمال تلامس واقعه وتجاربه اليومية، والإعلان أكد أيضاً أن العمل الدرامي بقليل من الاستيعاب لمكونات الشخصية السودانية قادر على أن يفرض أثره وتأثيره على المشاهد السوداني، فهل تنطلق الدراما وينطلق والدراميون من نقطة «يا خلف الله عذبتنا» رغم بساطتها، لأنهم «بالجد» تعذبوا وعذبونا. { كلمة أعز أعتقد أن الكاريكاتير الظريف للأخ الرسام فارس الذي ظهر فيه مواطن يستمع إلى المذياع وتنبعث منه أغنية تقول كلماتها: «الانتخابات اليوم يا..... والانسحاب بالكوم..... أمشي خلي اللوم يا..... ليك ما في لزوم يا........» أعتقد أن الكاريكاتير منح أغنية «عوض دكام» صك البراءة من أنها مجرد أغنية هابطة وتافهة، لأنه الغناء الذي لا يشم طيبه الشخص البسيط يكون ما عنده معنى، والغناء الذي لا يتحدث بلسان البسطاء ولغة الشارع يكون أيضاً ما ليه معنى.. واللا شنو؟