{ أيام الحكم الثنائي، الذي استمر من عام 1898م حتى منتصف خمسينات القرن العشرين؛ كان الوضع غريباً فعلاً؛ فقد كان اسم البلد هو السودان الإنجليزي المصري، أي أنه كانت تستعمره دولتان، هما بريطانيا ومصر، ولكن فعلياً فإن الآمر الناهي كان هو بريطانيا التي كانت قوة عظمى لها إمبراطورية مساحتها أكبر من نصف الكرة الأرضية ولذلك فإنها كانت توصف بالأمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. { ومن غرائب الوضع خلال الحكم الثنائي أن مصر التي كان علمها يرفرف إلى جانب العلم البريطاني في السودان وكان لها وجود عسكري فيه؛ كانت خاضعة للاحتلال البريطاني الذي جثم فوقها عام 1882م في عهد الخديوي توفيق ولم يَجْلُ عنها إلا بعد ثورة يوليو 1952م التي قادها المقدم جمال عبد الناصر. { وحتى بعد أن استقلت عام 1922م فإن ذلك الاستقلال كان ناقصاً؛ فالاحتلال البريطاني كان لايزال قائماً وكانت كلمة بريطانيا في الشؤون المصرية لاتزال هي العليا وكان المندوب السامي البريطاني أقوى من الملك وأقوى من رؤساء الوزراء المصريين الذين كان بعضهم من غلاة الوطنيين كسعد زغلول وخليفته مصطفى النحاس. { ثم عاد الجيش المصري إلى السودان بعد معاهدة 1936م البريطانية المصرية. ورغم ذلك فإن الحكم في معظمه كان بيد بريطانيا. { ورغم ذلك كان لمصر تأثير كبير في قطاعات واسعة من المتعلمين السودانيين وكان للصحافة المصرية والأدب المصري دور كبير في ذلك التأثير، بلغ درجة مطالبتهم بالاتحاد مع مصر منذ ثورة 24 التي دبرتها ونفذتها جمعية اللواء الأبيض وحتى بعد قمع تلك الثورة ونفي وإعدام قادتها فإن تلك المطالبة بالاتحاد مع مصر لم تمت لكنها عادت قوية بعد قيام مؤتمر الخريجين عام 1938م وايضاً بعد نشوء الأحزاب السياسية منتصف الأربعينات. { وكان مِن هذه الأحزاب من يسعى الى خلق شكل من أشكال الاتحاد مع مصر، مثل حزب الأشقاء الذي كان يقوده الزعيم إسماعيل الأزهري وحزب الاتحاديين الذي كان يتزعمه حماد توفيق وحزب الأحرار الذي كان يرأسه الطيب محمد خير وحزب وحدة وادي النيل الذي كان يرأسه المحامي الدرديري أحمد إسماعيل وهو أول محامٍ سوداني وأول من حصل على الماجستير في القانون من جامعة (ليدز) بإنجلترا. وكان أميناً مساعداً لجامعة الدول العربية في فترة أمينها العام عبد الخالق حسونة، ثم سفيراً للسودان بمصر بعد مايو 69. { ثم انقسم حزب الأشقاء إلى جناحين يقود أحدهما الزعيم إسماعيل الأزهري والآخر محمد نور الدين. { وفي عام 1953م اندمجت هذه الأحزاب في مصر في حزب واحد تولى رئاسته الزعيم الأزهري وحمل اسم الحزب الوطني الاتحادي الذي اكتسح انتخابات عام 1953م وقاد وأنجز السودنة والجلاء والاستقلال منتصف خمسينات القرن الماضي.