فريق أول جعفر حسن محمد أحمد هكذا كانت الأيام التي سبقت إعدام صدام حسين، وخاصة يومي الخميس والجمعة (28-29). أيام كانت مليئة بالقلق والتجاذب بين أطراف اللعبة السياسية في العراق، الطوائف والمليشيات الصفوية تستعجل الإعدام وتلح عليه، وكانت تطلبه يوم الخميس (28/12) والمالكي يأخذ الأمر على عاتقه وينازل الأمريكان رافضاً أي تأجيل بعد يوم السبت، وفي كامب كروبر استمرت أحداث الساعة الأخيرة، فقد أعدت الطائرات الهيلكوبتر واتخذت إجراءات أمنية خاصة على امتداد خط الرحلة، واستخدم الأمريكيون الكلاب البوليسية على امتداد طريق خطوات صدام الأخيرة حتى غرفة الإعدام، هكذا تسارعت الأحداث وتحرك قطار الموت على قضبانه مسرعاً، وعلى متنه قائد، صلب، شجاع، ومقدام، صامد، صبور، إنه صدام ورحلة النهاية الأسطورية. في الساعات الأولى من ليلة قبل الإعدام، اصطف بعض الضباط الأمريكيين ومنهم قائد المعتقل، وقاموا بتوديع الرئيس صدام، الذي طالب بتوديع أخويه: برزان وسبعاوي، وأبلغه قائد المعتقل بأن موعد الإعدام سوف يكون فجراً، وقضى صدام بقية تلك الليلة كعادته على سريره وهو يقرأ القرآن الكريم. في الرابعة فجراً قدم إلى غرفة الرئيس صدام قائد المعتقل وأخبره بأنهم سوف يسلمونه إلى العراقيين، وسأله عما يطلب، توضأ صدام وأخذ المصحف وقرأ ما تيسر له في ذلك الوقت القصير، ثم طلب أن تسلم حاجياته الشخصية إلى محاميه ومن ثم إلى كريمته (رغد)، وطلب منهم أن يبلغوا كريمته أنه في طريقه إلى الجنة بضمير مرتاح ويد نظيفة. ارتدى السترة الواقية، نقل بعدها بوساطة عربة مدرعة تحمل علامة الصليب الأحمر إلى إحدى طائرات (بلاك هوك)، وقد طلب من مرافقيه الحراس عدم تغطية عينيه، انطلقت الطائرة تحلق في سماء بغداد، تأمل بغداد، وربما تلقي بغداد على ابنها الراحل نظرة حب أخيرة. وتأمل بغداد وكأنه كان يلقي عليها نظرة الوداع الأخيرة، كأن هذه المدينة التي بناها وأعزها ومنحها عمره، ترحل رويداً رويداً، وتتوارى بعيداً، وهبطت الطائرة الساعة 5:15 صباح السبت 30/12/2006م في كامب (جوستس) وهو الموقع العسكري الأمريكي في منطقة الكاظمية شمال بغداد الذي كان سجن الاستخبارات، ومر الرئيس صدام حسين عليهم رجلاً رجلاً شاكراً الأمريكيين على العناية به، وفي الساعة 5:21 صباحاً من يوم السبت أودع صدام في السجن وهو مبنى كونكريتي من أربعة طوابق كان مقراً لاستخبارات صدام في السابق، والآن قاعدة للواء في الجيش العراقي، وأخذه الأمريكيون إلى غرفة احتجاز وتبادلوا الأوراق الخاصة مع مدير السجن، وهنا انتهى دور الحماية الأمريكية. وفي الساعة 5:30 صباحاً تسلمه العراقيون، وقال أحد المسؤولين الأمريكيين الذين شهدوا ذلك أن سلوك صدام تغير في السجن العراقي عندما أبلغه المدير العراقي بتسلمه، وكان صدام قد أبلغ محتجزيه الأمريكيين منذ زمن بعيد بأنه لا يثق بهم ولا يثق بالعراقيين. وصدام الآن محاط بحراسة من المليشيات الطائفية الذين كانوا يشتمونه بسبب الحرب العراقية الإيرانية، وفي تلك الأثناء كانت فرق الموت من مليشيات جيش المهدي تحيط بمديرية الاستخبارات العسكرية، وقد عقدت العزم على اقتحام المديرية حيث يوجد صدام حسين لاختطافه وتسليمه إلى إيران. وقد تدخل المالكي لدى مقتدى الصدر، تجنباً للفضيحة وكي لا يغضب الأمريكيون. في الساعة الواحدة صباحاً من يوم السبت، اتصل مدير مكتب المالكي بالقاضي منير حداد رئيس محكمة التمييز يبلغه بطلب المالكي منه الحضور إلى مقر رئيس الوزراء في الساعة 3:30 صباحاً في يوم السبت. في الموعد المحدد وصل منير حداد إلى المكتب ومعه (14) شخصاً آخرون تلقوا نفس الاتصال وهم: المدير العام وممثل وزير العدل العراقي ومسؤول الأمن القومي (موفق الربيعي) ومريم الريس مستشارة رئيس الوزراء، وممثل وزارة الخارجية، وممثل وزارة الداخلية وأعضاء بارزون في البرلمان العراقي، وبعض مستشاري المالكي الكبار، وعبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الشيعية، وممثل عن علي السيستاني، وممثل عن مقتدى الصدر، وضابط مخابرات أمريكي ومسؤول بالسفارة الأمريكية ببغداد. في تمام الساعة 5 صباحاً يوم السبت، استقلت هذه المجموعة مروحيتين عسكريتين أمريكيتين كل سبعة أشخاص في مروحية، ووصلت الطائرات إلى منطقة الكاظمية شمال بغداد الساعة 5:15 صباح السبت. وهذا المكان هو نفس المكان الذي أُعدم فيه معارضو صدام من أعضاء حزب الدعوة، وأصر (موفق الربيعي) مستشار الأمن القومي العراقي على اختياره لتنفيذ الإعدام في صدام حسين. نواصل خبير وباحث في الشؤون العسكرية والسياسية