فريق أول جعفر حسن محمد أحمد { إن إعدام صدام حسين قبل نهاية العام كان مطلباً في الدرجة الأولى من الرئيس «جورج بوش الابن» طلبه شخصياً من رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي كان محاطاً من أركان الإدارة الأمريكية، الذين اختاروا وضع اللوم عليه في ازدياد العنف الطائفي وانعدام الأمن في البلاد وفلتان المليشيات، وقد أراد بوش الذي سُدت أمامه سبل ادعاء تحقيق نصر في العراق وصدمته استنتاجات (بيكر هاملتون) فتح ثغرة في الطريق المسدود بالحديث عن نقطة تحول في العراق نتيجة لإعدام الرئيس العراقي صدام حسين، فكان له ما أراد. والشيء الآخر في علاقة (آل بوش) بصدام، فهي علاقة الكراهية المتبادلة، ففي عام 1991م، قال جورج بوش الأب، عن صدام حسين: «لقد تمرد علينا»، وصدام حسين أيضاً أثناء قصف العاصمة بغداد في العام نفسه (1991م) قال: «لقد غدر الغادرون»، فالعبارة الأولى تفسر العلاقة القوية التي كانت بين نظام صدام والولايات المتحدة، ولكن بخلاف العلاقات السرية في الغرف المغلقة حيث كانت شبه معدومة، وأما العبارة الثانية فتفسر لنا مدى الغدر الأمريكي وعدم وفائهم للأصدقاء، من ثم عدم احترامهم للوسطاء كدول وشخصيات ذات وزن ثقيل، الذين كانوا بصدد حل الأزمة بين بغداد وواشنطن، وإذ هم يقصفون بغداد الرشيد بآلاف القنابل المحرمة دولياً. ومن جهة أخرى وبفعل الكراهية المتبادلة بين (آل بوش) ونظام صدام في العراق، فإن القيادة العراقية قد اتخذت قراراً برسم صورة بوش الابن على الأرض في المدخل الرئيس لبوابة فندق الرشيد، ووضعت الصورة بطريقة لا يمكن تحاشي السير عليها عندما تدفع باب المدخل الذي كتب عليه بالانجليزية (Push) ونطقها بالانجليزية (بوش) معناها بالعربي «إدفع» وهي تطابق اسم الرئيس الأمريكي وصورته، وما أن يخطو الزائر نحو باب الفندق الذي كتب عليه بالانجليزية (Push) وبالعربية «إدفع»، حتى يفتح الباب أتوماتيكياً، وتواجه بصورة جورج بوش الأب وقدمه تدوس على وجهه تماماً. الجدير بالذكر أن هذا الفندق كان مقراً للشخصيات الدولية الزائرة للعراق ومقراً لجميع الوفود الصحفية والإعلامية والحكومية والسياسية «كاتب هذه الأسطر سبق له أن أقام في هذا الفندق إبان زيارة رسمية في عام 1994م وقد رأى هذه الصورة». هذه الصورة وبوضعها هذا ولدت حقداً دفيناً من قبل (آل بوش) ضد شخص صدام حسين. والجدير بالذكر أن الفنان الذي رسم هذه الصورة على الأرض، وهو مهندس وساعدته زوجته المهندسة، تم استهدافهما وقتلهما في منزلهما الكائن ببغداد بواسطة صاروخ (كروز) من إحدى القواعد البرية الأمريكية في الخليج، انتقاماً منهما، من (آل بوش)، وبعدها تم اتهام صدام بمحاولة اغتيال جورج بوش الأب أثناء زيارته للكويت إبان رئاسة بيل كلنتون الديمقراطي، وعوقبت بغداد بمئات الصواريخ ولمدة أكثر من عشرة أيام. يبدو أن الابن جورج بوش تعهد لأبيه بأن يأتيه برأس صدام وبغداد والعراق ثمناً لصورة أبيه التي ديست بأقدام زوار العاصمة بغداد. ولهذا تم نسج سيناريو الحرب على العراق المعروف، التي تهدف إلى تدمير العراق وتقديم رأس صدام حسين إلى بوش الأب، فهو الثأر (البوشي) على طريقة (بدو تكساس). لقد تمثلت الرغبة في الانتقام والثأر من صدام حسين أحد الأسباب التي عجلت بتنفيذ الحكم والإعدام، وقد أظهرت ذلك شرائط الفيديو التي صورت أثناء الإعدام حيث كان العداء مشتركاً بين الحكومة الأمريكية والرئيس بوش بالذات، وكان الرئيس بوش نفسه يسعى للانتقام والثأر، وقد ظهر ذلك واضحاً في الخطاب الذي ألقاه بوش الابن في (هوستن) يوم 26 سبتمبر 2002م موجهاً حديثه لحشد الجمهوريين حين قال (لا يوجد شك في أن كراهية موجهة ضدنا في الأساس، هذا الرجل يقصد صدام حسين حاول قتل والدي)، وأن بوش نفسه قال عندما تم القبض على صدام واعتقاله، فقد كان أول تعليق للرئيس الأمريكي: (العالم أفضل من غيرك). { يوم الإعدام وساعته، كان التصوير أيضاً حاضراً لتوثيق تلك اللحظات الرهيبة وإمعاناً في روح الانتقام والثأر والشماتة، كان «علي المسيدي» المصور الخاص لرئيس الوزراء نوري المالكي من ضمن حضور الإعدام، وكان عليه، وهو البارع في التصوير، أن يضع نفسه دائماً في أفضل موقع يصور منه الحدث، يدرك تماماً من أين تؤخذ اللقطة؟ ومتى تدخل عدسة الكاميرا (السوني) الحديثة التي يحملها لتضم في الذاكرة كل ما تعجز عيناه عن التقاطه. كان مطلوب منه وهو المحترف أن يوثق هذا الحدث المهم، وبكل التفاصيل، التي تنتج مواقف سياسية كانت تأمل وتتمناها حكومة الاحتلال، وأدى المسيدي واجبه كاملاً، وما أن انتهى حفل الإعدام، وانتهى التصوير، حتى تسلم كبير الموظفين في حكومة نوري المالكي شريط التصوير (الفيلم) وطلب منه ألا يروي شيئاً مما جاء فيه لمخلوق. وفي تلك اللحظات، من عملية الإعدام، بدا أن هنالك آخرين لم يظهروا في الشريط المسجل، بينما بدا أن بعض الأنوار كانت تضيء للحظات ثم تختفي، دلالة على وجود مصورين فتوغرافيين فضلاً عن كاميرات الفيديو. ويقول منقذ آل فرعون الفتلاوي «مساعد المدعي العام في قضية الدجيل الذي كان من ضمن حضور عملية الإعدام» إن مسؤوليْن حكوميين رفيعي المستوى قاما بالتصوير بكاميرا هاتفيهما المحمولين، وأضاف أنه إذا كان القصد من وراء التصوير إثارة النعرات الطائفية فإن ذلك يعد جرماً، الفيلم والصور وطريقة عرضها، لم تكن في صالح حكومة الاحتلال، بل أظهرت صدام شجاعاً مغواراً باسلاً يذهب إلى المشنقة بقدميه حتى أنه لم يضع كيساً أسود على وجهه، والذين كانوا يضعون الأكياس على وجوههم هم الجلادون، بحيث ضاعت على المشاهد من هو الضحية ومن هو الجلاد. إن أسوأ ما جاء في الشريط المصور هي الطريقة الهمجية التي سمح بها لمنفذي الحكم وللجمهور الذي حضر تنفيذ الحكم كما لو كان يحضر احتفالاً وعرساً، حيث تتعالى الأصوات بالتشفي بل بكلمات لا تليق في هذا الوضع مما جعل الجنرال (وليم كون بول) الناطق باسم القوات الأمريكيةالمحتلة للعراق يقول: «لو ترك أمر التنفيذ لنا لتصرفنا بطريقة مختلفة». وعليه فإن صدام حسين قد استفاد كثيراً من أخطاء خصومه سواء في توقيت الإعدام أو في إعلانه وتصويره، وهو ما أوجد تعاطفاً كبيراً من جانب المجتمع العربي والمسلم الذي لم يعتد مشاهدة إعدام ناس عاديين سواء كانوا مجرمين أم غيرهم، فما بالك برئيس دولة والظروف التي أحاطت بالمحاكمة من تدخل أمريكا وغير ذلك؟. وجه المحامي الفرنسي (إيمانويل لودو) وهو أحد وكلاء الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يوم الثلاثاء 12/1/2007م رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، طالب فيها بتشكيل لجنة تحقيق حول ظروف إعدام صدام حسين، وندد المحامي أيضاً بالصور التي التقطت لعملية الشنق، وقال إن تصوير وجه المحكوم عليه بالإعدام هو خرق فاضح لاتفاقية جنيف، باعتبار أن صدام حسين كان يعتبر أسير حرب، وبشهادة الحكومة الأمريكية نفسها، الأمر الذي كان يتطلب من الأممالمتحدة اتخاذ الاحتياطات الضرورية لتأمين الحد الأدنى من الكرامة لأسير الحرب صدام حسين. { السؤال الذي كان يتفجر دائماً في وجه المحللين السياسيين والمسؤولين الأمريكيين والعراقيين على شاشات الفضائيات وفي المؤتمرات الصحفية التي أعقبت إعلان تنفيذ حكم الإعدام في صدام حسين هو: ما سر الإسراع في تنفيذ الحكم بهذا النحو؟ ومثلما كانت اللحظة السياسية، مشهد إعدام صدام، معقداً، فالإجابة أكثر تعقيداً وتخص عدة أطراف، كان إعدام صدام بالنسبة لها بأسرع ما يمكن ترضية وهدية سياسية وورقة إعلامية في غاية الأهمية، وإزهاق روح الرئيس العراقي، وأكبر متحد للسياسة الأمريكية، وألد أعداء إيران خلال ربع قرن، كان يعني انقاذ رقبة العديد من السياسيين. الإجابة تكشف عن جزء منها زيارة سرية في 8 نوفمبر 2006م تحت عنوان «صفقة إعدام صدام حسين»، هذه الزيارة كان من الممكن أن تنقذ صدام حسين، ولكنها في الوقت نفسه عجلت بإعدامه على النحو الذي رآه العالم كله. في السادس من نوفمبر وقبل ساعات من الحكم على صدام حسين في قضية «الدجيل» وصل (ستيفن هارلي) مدير المخابرات الأمريكية إلى بغداد سراً واجتمع بعدد من قيادات المقاومة العراقية المنتمين إلى حزبي البعث والرئيس المخلوع صدام حسين، بحضور ممثلين للحكومة العراقية التي يرأسها نوري المالكي، وتم الاتفاق فيها على إعلان الحكم بإعدام صدام حسين لتهدئة الشيعة، وليستفيد الجمهوريون سياسياً وإعلامياً بالحكم قبل يومين من انتخابات الكونجرس الأمريكي فتقل خسارتهم نوعاً ما، على أن يتوقف التنفيذ طبقاً لما تريد أن تحصل عليه الإدارة الأمريكية من البعث العراقي والمقاومة السنية، وفي مقدمتها وقف أعمال المقاومة تماماً وخصوصاً ضد القوات الأمريكية، بعد تزايد عدد القتلى خلال شهر أكتوبر بشكل غير مسبوق منذ دخول القوات الأمريكية العراق عام 2003م، مما أدى الى تدهور شعبية بوش وحزبه إلى أدنى درجة لها منذ توليه السلطة، ومما جعل رئاسته في مهب الريح، كان الاتفاق يقضي في حالة تنفيذه من قبل المقاومة العراقية، بتعهد أمريكي بالسماح للرئيس العراقي السابق صدام حسين بالخروج من العراق للإقامة في دولة آمنة، أو تخفيف حكم الإعدام إلى السجن مدى الحياة، على أن يعامل صدام معاملة طيبة خلال فترة سجنه، وربما يتم العفو النهائي عنه خلال فترة الاحتجاز، ولكن الاتفاق فشل لتمسك صدام بموقفه الرافض لأي مساومة على حساب المقاومة، وتمسكه بالانسحاب الأمريكي الكامل من العراق، وعليه أعلن الحكم بالإعدام، ورغم ذلك سقط الجمهوريون في انتخابات الكونجرس، ولم تتوقف أعمال المقاومة وتصاعد عدد الجنود الأمريكيين القتلى في العراق في شهر نوفمبر لتجاوز العدد المعلن (120) جندياً، وبات المالكي وأعوانه ومعهم بوش في حاجة ملحة إلى خطوة أكثر قوة من صدور حكم بإعدام صدام، وانتصار رمزي يعوض الخسائر الواقعية والهزائم المتتالية للتغطية على الوضع الأمني والسياسي في العراق، ليس هذا فقط، فقد دخل على خط المطالب تيارات الشيعة الممثلة في النظام ولكنها غير متعاونة، وأشهرها وأبرزها تيار مقتدي الصدر الذي طلب بشكل واضح ترضية مناسبة له،ولم يكن مطلبه سوى رأس صدام حسين .. وأن الصدر اشترط على المالكي تنفيذ حكم الاعدام قبل نهاية العام (2006م) وأن ينفذه بيده، مما أربك المالكي الذي ألغى ترتيبات سابقة بأن يجلبوا مجموعة من منتسبي مصلحة السجون، حيث قال المالكي ل«البولاني» و«العتري» ما نصه:«سلموا صدام إلى جيش المهدي وخلصونا أحسن»، وبالفعل تولى مقتدي الصدر وجلب معه المجموعة التي تولت التنفيذ وكان هو أحدهم، وكما يعزز صدقية هذه المعلومات نوعية الهتافات التي صدرت عن مجموعة جيش المهدي بتحية مقتدي الصدر، وأضاف المصدر بأن «عبدالعزيز الحكيم» علق في مبنى الاستخبارات العسكرية، حينما قال «سامي العسكري» مستشار المالكي: «لو أن الجلادين ارتدوا زياً رسمياً كان أفضل»، قال الحكيم: (دم صدام خلي يصير في رقبة مقتدي وجيش المهدي لأنهم ما مطلوبين ويانا). وأما إيران، وسراً كان لها دور قوي وبارز في الإسراع بتنفيذ حكم الإعدام في عدوها التاريخي الأول، سعياً وراء إدراج نفسها كطرف له نفوذ في العراق، وهو الأمر الذي عززه تقرير (بيكر هاميلتون) الذي جاء في توصياته: «إن إيران لعبت دوراً معاوناً للولايات المتحدة في أفغانستان، ويمكن أن تكون متعاونة كذلك في العراق، إذا أدركت أن مصالحها يمكن أن تتم مساندتها». خبير وباحث في الشؤون العسكرية والسياسية