{ خاطب الرئيس «البشير» أمس شعب جنوب السودان في آخر رسالة قُبيْل توجُّه الجنوبيين إلى صناديق الاستفتاء يوم «الأحد» القادم. ولكن الخطاب (التاريخي)، الذي بثته عدد من الفضائيات، كان من على منصة (قاعة) مغلقة بقصر رئاسة حكومة الجنوب، وجزء مقدَّر من الحاضرين جاء من «الخرطوم» ضمن وفد الرئيس.. وعلى متْن طائرته التي كان من المفترض أن أكون ضمن ركابها، لكن الإرادة الإلهية لم تشأ أن ألحق بها. { لكن ما علمناه ونشرته الصحف (أمس الأول) يؤكد أن الرئيس «البشير» سيخاطب حشداً جماهيرياً جوار مقبرة الراحل «جون قرنق»، وهذا ما أكده نائب رئيس الحركة الشعبية «جيمس واني».. أمس، للفضائية المصرية عندما قال بالحرف: (جوبا ستخرج كلها لسماع البشير وما يحمله معه في قفته)!! { صحيح أن حكومة الجنوب أحسنت استقبال «البشير» والوفد المرافق له عبر (الكلمات) و(الابتسامات) التي تخفي ما وراءها، وصحيح أن الرئيس بادلهم الود، وتعهَّد لهم بتعاون الشمال مع دولة الجنوب بعد الانفصال، كما تعهَّد بحماية الجنوبيين في الشمال، وطالب ملاك (القصور) منهم في «الخرطوم» بعدم بيعها، وعدم الاستماع إلى شائعات (سماسرة) الأراضي، ولكن الصحيح أيضاً أن الذين خاطبهم «البشير» هم «سلفاكير»، و«باقان»، و«دينق ألور»، و«جيمس واني ايقا»، وعشرات آخرين يمثلون حكومة الجنوب والحركة الشعبية، جاءوا إلى الاجتماع الأول بالواجهة (الرسمية)، وفي الثاني زعموا أنهم يمثلون منظمات (المجتمع المدني).. المفترى عليه!! بضع فتيات.. وفتيان.. وقساوسة لقَّنهم «باقان» - كما أظهرت الكاميرات - العبارات والمطالب التي نادوا بها..!! أين شعب الجنوب إذن؟! هل هو «باقان» وتلاميذه؟! { ما كان ينبغي أن توافق الرئاسة أن يكون مسرح الخطاب (الأخير) قاعة محدودة المساحة، يملأ مقاعدها ذات الأشخاص المعروفين.. الذين عملوا على تقسيم السودان لست سنوات، وأنجزوا المهمة بنجاح!! وها هم يضحكون - الآن - ملء أشداقهم.. لأنهم وصلوا إلى نهاية المطاف.. وحقَّقوا ما يريدون.. حتى الخطاب الأخير جعلوه داخل قاعة (مغلقة) بعيداً عن الجماهير..!! { ولولا أن تلفزيون السودان وفضائيات أخرى نقلت الحدث (للعالم)، أكثر منه (لشعب الجنوب) البائس الفقير المنقطع عن الفضائيات، بل حتى عن خدمة الكهرباء، لقلنا إن الزيارة لم تحقق كسباً يُذكر، فإعلان طرد حركات دارفور يحتاج أن تؤكده الأيام والوقائع. { كسب الزيارة الوحيد يُحسب لصالح «البشير» كرئيس وقائد يستطيع أن يتحمل أقسى الخيارات وأصعبها، المتمثلة في الترحيب بانفصال الجنوب (إذا اختار شعب الجنوب ذلك)!! ولكن هل معلومات السيد الرئيس تؤكد أن شعب الجنوب هو الذي سيختار ذلك، وليس (كوادر) وعساكر الحركة الشعبية الذين سمحت لهم حكومة الجنوب - عمداً - برفع لافتات تطالب (بالانفصال) حتى داخل مطار «جوبا».. لحظات استقبال الرئيس!! { هل يستطيع أحد أن يقنعني بأن جبروت (الجيش الشعبي) في «جوبا» كان عاجزاً عن (حجب) مثل هذه اللافتات، على الأقل، خلال هذه الزيارة، مثلما حجبوا الصحف، ومنها (الأهرام اليوم) عن التوزيع في الجنوب لأكثر من ثلاثة أشهر؟!! { الذين يتحدثون عن (ديمقراطية) و(حريات) في الجنوب، إما (منافقون) أو (سذَّج)، سذاجة (بعض) مفاوضي الحكومة من «نيفاشا» إلى «الخرطوم»!! { البشير.. خاطب مئات الآلاف في دارفور في لقاءات جماهيرية (مفتوحة) مرات ومرات، وآخرها كان قبل أيام، والحالة الأمنية في دارفور أسوأ منها في «جوبا» ، لسبب بسيط، أن الجيش الشعبي يسيطر تماماً على حاضرة الجنوب ومعظم الولايات، وقد خاطب الرئيس الجنوبيين في لقاءات مفتوحة أيام الانتخابات في أكثر من منطقة، فلا أظن أن حصر اللقاء في قاعة صغيرة مرده لدواع أمنية، بل سياسية، حيث لا تريد «الحركة» وحكومتها أي (تشويش) ولو بنسبة (واحد من مليون في المائة) على الرأي العام الجنوبي قبل خمسة أيام من الاستفتاء، ولهذا منعت بعض الصحف المؤثرة من التوزيع في الجنوب. { لابد أن نسلم بخلاصة (مريرة)، مفادها أن (الحركة الشعبية) استطاعت - و(بلغة كرة القدم) - أن (تضقِّل) بالمؤتمر الوطني ومفاوضيه (الأذكياء).. ثم ظلت تحرز الأهداف.. هدفاً.. تلو هدف.. وحسمت النتيجة مبكراً.. ونالت كل مطالبها.. ولم يتبق لها إلا اليسير وستناله - لا قدَّر الله - ما دامت تجيد اللعب، وتحسن (الضقّيل)!! وحسبي الله .. ونعم الوكيل